مُنذ أن طَرق الأنترنيت أبواب حياتنا وهو يُعدّ لازمة من لوازم تلك الحياة , فقد نالَ نصيباً وافرا من الترحيب لما أشاعه من ميزات تكنولوجية رمتْ بظلالها على حاجات المجتمع البشري , فقد لامس الأنترنيت حاجة مُلحة من حاجات المجتمع البشري , ألا وهي طريقة التواصل بين الناس , فالمجتمع البشري هو مجتمع تعايشي قائم على أساس التواصل بين الأفراد , وهي سِمة أزلية قائمة فيه . فجاء الأنترنيت ليذلل تلك المشكلة , ويختصر لنا المكان والزمان , لذا ظهرت أنواع كثيرة من مواقع التواصل الاجتماعي لتخدم هذه الغاية, فظهر الفيس بوك، والو أتساب، والانستكرام، التويتر، والسناب جات، والتلكرام، والفايبر … وغيرها كثير , وكل تلكم المواقع توفر للمستخدم كتابة الرسائل والتواصل مع الجميع , والحقيقة أنّ هذه المواقع هي سلاح ذو حَدّين ؛ فهي من جهة تذلّل لنا العديد من المشكلات التي قد نواجهها في التواصل مع الآخرين, فهي توفر لنا الوقت والجهد والمال , لكنّها في الوقت نفسه لها تأثير سلبي على لغتنا العربية . إذ نجد أن الكثيرين من مستخدمي هذه المواقع قد أساء بقصد , أو من دون قصد للغة العربية , فنجد أنّ كثيرا من الأخطاء اللغوية والنحوية والاملائية بدأت تشق طريقها وبكثرة في المخاطبات الدائرة بين الناس , وقد يكون السبب انْعِدام المعرفة بقواعد اللغة العربية , وجهل صحيحها , وأحيانا لايعود السبب للجهل بالصحيح فقط , وإنما بدأ بعضهم ينبذ الصحيح , ويتبنى الخاطئ تبعا للسهولة على اللسان , فما وافق نفسه أخذ به , وما جافاها تركه , مع علمه بصحة ماترك , وخطأ ما أخذ , أو استسهال الخطأ على الصواب , أو انْعِدام الرقيب , فكل يكتب بما تطيب له نفسه من دون الشعور بأهمية الكتابة الصحيحة , وتأثيرها على المعنى , فنجد أكثر الأسباب ذاتية تتبع المستخدم نفسه , فهو يحاول إيصال المعلومة بأقل جهد ممكن .
ومن الأخطاء التي نجدها في الكتابات هي الأخطاء الإملائية : فمن أهم الأخطاء الإملائية الشائعة , وبكثرة هي عدم التفريق بين طوال الحركات , وقصارها ممّا يوقع اللبس , ومن ثُمّ الخطأ , فقد جعلوا الصوائت القصار حروفا , كاشباع الضمة بحيث تبدو كحرف الواو كما في (عنده – عندهو), وكذلك إشباع التنوين بحيث يبدو كحرف النون كما في ( شكراً- شكرن ). والأخيرة متداولة وبكثرة , ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى اعتماد طريقة النطق في الكتابة , أي يكتبون الكلمة كما ينطقونها , ولايراعون قواعد اللغة العربية في ذلك , فهناك كلمات في اللغة العربية فيها حرفا ينطق , ولا يكتب كالألف في ( هؤلاء , الرحمن … ) وهناك كلمات متضمنة لأحرف تكتب ولا تنطق كـ الف واو الجماعة في ( لعبوا ) والواو في (عمرو ) وغيرها من الكلمات التي توقعنا في اللبس . وهناك قائمة طويلة للأخطاء الإملائية كالخطأ في كتابة الهمزة في أول الكلام كـ(همزة القطع والوصل ) فمثلا يقال ( إنطلق) والصواب (انطلق) , أو في دُرْجِه كما في كتابة كلمة ( هيئة ) والصحيح (هيأة) , وكذلك كلمة (شيء) الصحيح كتابتها على السطر , وليس على الياء( شئ ) وغيرها كثير, وعدم التفريق بين التاء المربوطة والتاء المبسوطة ,كـ (امرأت والصحيح امرأة ) وكذلك عدم التفريق بين التاء والهاء كـ ( آيه ) والصحيح ( آية ), فضلا عن الأخطاء النحوية وخصوصا في الجمل التي يلحقها التقديم والتأخير منها جمل كان وأخواتها نجدهم يقولون (صار لديه جائزتين ) والصواب (صار لديه جائزتان) , وكذلك في إن وأخواتها كقولهم (لعلّ في المكتبة كتابان ) والصواب (لعلّ في المكتبة كتابين) وغيرها كثير , كذلك أخطاء العدد , وترتيب الجمل الاسمية أو الفعلية .
أما بالنسبة للأخطاء اللغوية فحَدِّثْ ولا حَرَج بانتشارها وتداولها , فهم يعمدون إلى استعمال الكلمة في غير معناها الصحيح، مثل : قول (مبروك) في التهنئة بدلًا من (مبارك) , و (انشاء الله) بدلا من ( إن شاء الله ), وكذلك استعمال لفظة (تواجد) في غير معناها الصحيح , فلايصح أن نقول( يتواجد النحاس في الطبيعة بكثرة) بل يجب أن نقول (يوجد النحاس في الطبيعة بكثرة) لأن الفعل ( تواجد ) مأخوذ من الوجد ويعني المحبّة أو الفرح , فضلا عن كلمة ( مدراء ) جمعا لكلمة (مدير) فالصحيح (مديرون أو مديرين ) حسب موقها الإعرابي , وكذلك كلمة ( اخصائي ) والصواب اختصاصي , وغير ذلك كثير .
كل ماتقدم هو نماذج قليلة ممّا نلمسه من أخطاء سائرة , ومنتشرة كسريان النار في الهشيم في كتابات السواد الأعظم منا , ولا تذوي هذه الأخطاء إلا بمحاسبة النفس عند الاشتباه , أو الخطأ في كلمة ما , والعودة للمعاجم اللغوية لمعرفة الكتابة الصحيحة لها , كما علينا قراءة الكتب المعتبرة , وفي مقدمتها كتاب الله الأعظم القرآن الكريم فهو أساس الفصاحة والبلاغة .