استعاد مهرجان عالم الشعر بدورته الرابعة، التي اقيمت في النجف، صوت القصيدة، الذي تراخى منذ نيسان 2003. تاركاً الموقع للجدل العقيم والصراخ والتراشق في فضاء الاعلام. وكدنا ننسى ديوان العرب، بكل ما يحفل به من مآثر في الفروسية والرثاء والمديح والهوى والجوى والحب والحكمة، لولا ان النجف استوقفتنا، لتتحفنا بجميل الايقاع وعذب الانشاد ورشاقة المفردة، عبر قصائد تلونت في النظم بين العمود أو التفعيلة ونصفها والانعتاق من قواعدها أحياناً. وأمضينا اياماً للمدة من 17 – 19 آذار تحت خيمة فرع الاتحاد العام للادباء والكتاب في النجف، نشارك الشعراء رؤاهم، وهم يطرحون هموم الناس أو يدعون الى الوفاء للمدن، سواء كانت مساقط رؤوسهم أو منابع خيرات أو مواطن بطولة وعلم.
وابدع رئيس فرع الاتحاد محمود جاسم عثمان النعيمي وزملاؤه في الهيئة الادارية في تنظيم هذا الملتقى، الذي توقف لبضع سنوات، لاسباب ذاتية وموضوعية، ثم استأنف اعماله بدعم وزارة الثقافة والبنك المركزي العراقي، وهذا الاخير كأنه اعتزم توجيه رسالة الى الرأي العام ومحبي الأدب والثقافة عموماً، بان خططه التنموية لا تشمل القطاعات الاقتصادية حسب، بل وتتجه الى عقل الانسان وروحه لتعيد بناء أو صياغة مفاهيمه، من اجل تنمية مستدامة تتشكل منها جميع روافد المعرفة ومن اجل تحقيق الأمل.
وإذا كان الشعراء قد تركوا بصمات على منصة المهرجان، فان الشاعرات، ولو ان عددهن كان قليلاً نسبياً، كشفن عن حضور مفرح وذي دلالة، وسط الجدل السياسي والاجتماعي الطاغي، بشأن موقع النساء في المشروع السياسي العراقي الراهن، ووسط بيئة محافظة تقف النجف في مقدمة معالمها، بحكم موروثات سابقة ومخرجات حالية.ولم تقتصر وقائع المهرجان الذي عبر فيه نحو 50 شاعراً عن اغراضهم وعكسوا آمال اجيالهم، على الاحتفاء بالقصيدة واطلاق العناء لجلجلة صوتها حسب، بل قدمت اسهامات نقدية، مفعمة بالموضوعية والكفاءة العلمية، حيث حظينا بسلسلة من الدراسات الرصينة في جلسة خاصة، تتابع عليها اساتيذ وخبراء في تقويم الشعر ومكوناته وعناصره وخصائصه، الأدبية وتوظيفاته للامثال والوضوح والارتباط وثقافة المبدع وروافدها، كالموهبة والقراءات والانغماس في الشأن العام. ولفت انظارنا دراسة قدمتها تدريسية في جامعات النجف عن التجارب الشعرية لجيل الشباب ما بعد 2003 تابعت فيها جذور التجربة، أوربياً ومحلياً، ودعت الى تفهم منطلقاتها واستيعاب طاقة التمرد في معتقداتها الفكرية والحياتية. كان المهرجان باهراً، كما وصفه بعض الأخوة، وكانت النجف، بأيامه عكاظاً أخرى، لكن ما يرفعها الى عنان السماء انها الارض التي تشرفت باحتضان رفات سيد البلغاء وامام المتقين ويعسوب الدين.فالسلام على مولاي علي بن ابي طالب عليه السلام، يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً، ونحن بشفاعته نحشر مع ابن عمه خاتم الانبياء والمرسلين، على أجنحة الحقيقة والصدق في بلاغة الكلمة.ويبقى ان ندعو وزارة الثقافة الى طبع وقائع المهرجان في كتاب بوصف قصائده توثق حقبة مهمة من تاريخ العراق يعكس تآخيه وروح نخبه.