وهناك تعددية للفعل الكلامي وخصوصا في النصّ المقروء قبل كتابته، ولكن في الكتابة يختلف عن المقروء الذهني، وهي أعلى كتابية يصل إليها الشاعر، فالشكلان اللذان يحاوراننا؛ الناطق ومن ثم المنطوق، وهما شكلا من أشكال الفعل الكلامي.
نتواصل مع قصيدة الشاعرة العراقية أمينة ساهي والتي رسمت أعلى عتبة دلالية للنصّ، وهي العنونة ( وحدة الروح الصاخبة) ومن خلالها أنتجت نصّا لائم تماما الفعل الكلامي والفعل اللغوي، لذلك فلحركة الأفعال التي رسمتها الشاعرة لها دلالتها في نصّها المكتوب.
لو عشقت الأمل ..
لو تولعتَ مثلي..
الأمل الذي انتظرته طويلاً
الأمل الذي تلاشى مثل زوبعة طفلةٍ خلف صخرة الصبر
إذن قد تجرّعت مرارة الوحدة
من قصيدة: وحدة الروح الصاخبة – أمينة ساهي
تتجزأ ظواهر الاتصال إلى أفعال كلامية، ويدخل الفعل الكلامي في المنظور الدلالي لاتكوينها، بل يصبح دلالة نافذة في سياق الجملة، وهذا يظهر من خلال المعنى والاتصال اللغوي اللذين يرسمهما الشاعر عادة في المنظور القصائدي، ونلاحظ أنّ الشاعرة العراقية أمينة ساهي تتجه هذا الاتجاه من خلال قصيدة ( وحدة الروح الصاخبة ) والتي جزأتها إلى عدة مقاطع؛ وقد تجانست تلك المقاطع التي فصلت بينها البياضات؛ تجانست من خلال الأثر الدلالي في كلّ مقطع لكي تستوي المعاني بوحدات موضوعية.
لو عشقت الأمل ..+ لو تولعتَ مثلي..+ الأمل الذي انتظرته طويلاً + الأمل الذي تلاشى مثل زوبعة طفلةٍ خلف صخرة الصبر + إذن قد تجرّعت مرارة الوحدة
إنّ الإجراء الكلامي نوعا من أنواع الفعل الأدائي، لذلك عندما انطلقت الشاعرة أمينة ساهي، نحو الأمل، فكانت النية التي دارت في المخيلة، وطالما هناك نوايا مكتوبة، فإذن هناك أفعال كلامية، فالفعل الكلامي هو التعبير عن النية، ومن هنا نلاحظ أنّه طالما القول كان مكتوبا، فالتعبير الكلامي متواجد لكي يعبر عن نوايا وقصدية الشاعرة، فالأمل، الانتظار، الصبر والمرارة، كلها نوايا مكتوبة عبّرت عنها الشاعرة أدائيا، ومن خلال الانسجام النصّي، يكون للإشارة فعاليتها بجذب التشابه الكلامي مع التطابق القولي.
الوحدة…التي تقرض أطراف ثوب الألفة
وتجعلنا في درب الوحشة فرادى..
أنا مثلك أو أنت مثلي
وقعت بين فواصل قاحلةٍ ومسافاتٍ ومفازات
رفضتُ أن أتلوّن بألوان الوقت
فسقطتّ في فجوة الألم اللامتناهي
من قصيدة: وحدة الروح الصاخبة – أمينة ساهي
هناك فرق بين الفعل الأدائي والذي يقوم بالفعل الذي يشير إليه، وبين الفعل الكلامي وهو التعبير بذاته عن القصدية التي تعوم في الذات الحقيقية، لذلك فالعلاقة بينهما؛ علاقة دلالية، بين فعل الإشارة وبين الفعل الدلالي، ويلتقيان في مساحة من الدلالات المتجانسة مع بعضها في المنظور النسيجي للنصّ.
الوحدة…التي تقرض أطراف ثوب الألفة + وتجعلنا في درب الوحشة فرادى.. + أنا مثلك أو أنت مثلي + وقعت بين فواصل قاحلةٍ ومسافاتٍ ومفازات + رفضتُ أن أتلوّن بألوان الوقت + فسقطتّ في فجوة الألم اللامتناهي
تقترب الشاعرة العراقية أمينة الساهي من منطقتين في المقطع الذي نقلته من قصيدة ( وحدة الروح الصاخبة )، وهما، منطقة الـ ( نحن ) اللاحتمية ومنطقة الـ ( أنا ) الحتمية، فالمنطقة الأولى تقودنا إلى الفعل الجماعي والذي يكون ذا نوايا غير مرسومة، وإنما التمني والتأمل يعومان على الجمل الشعرية؛ فجملة : الوحدة…التي تقرض أطراف ثوب الألفة.. وصف للوحدة الدالة التي نُسجت على شكل منطوق أدائي، والجملة الثانية : وتجعلنا في درب الوحشة فرادى../ منطقة الفعل هي الفعل الجماعي التي تمثل بالـ ( نحن )، فالشاعرة أمينة ساهي، لاتدعو إلى شيء، بل أصبح الشيء كأداة فعلية خارج الفعل التقريري، ومن هنا يندمج الفعل الأدائي مع الفعل الكلامي، بين النوايا التي لاترغب بحدوثها ( ولكنها حدثت ) وبين التشكل الدلالي الذي لاترغب الشاعرة بقمعه، لأنه يمثل الفعل الكلامي للشاعرة؛ فالتبادل الذي أوجدته، تبادل بين المخاطِب والمستمع ( أنا مثلك أو أنت مثلي + وقعت بين فواصل قاحلةٍ ومسافاتٍ ومفازات )، فالواقعة التي نشأت واقعة كلامية، حدثت أثناء الحدث الكلامي.