لا الحُزنُ ولا الغضَبُ ولا الاهتمامُ ، لا الكفاحُ ولا الاجتهادُ ولا الجِدّية، جميعُهاغيرُ قادرةٍ على مساعدتِنا لقهرِ هذا الواقع ، واقعُ الإنسانِ المُستلَب تماماً ، المُغترِبُ عن نفسهِ، المُفكّك، ذو البعدُ الواحد. الإنسانُ الذي قهرتهُ الرأسمالية ودولتُها الطبقيّة، قهرتهُ السّلطة بكل مستوياتها ، الإنسانٌ الذي قهرهُ الإنسان !وحدَها السُّخريةُ سِلاحُنا الأخير ،السُّخريةُ إلى ألقِها، هكذا إلى ألقِها ، السّخرية في نقدِها الهدّام . هذا زمنُ الهَدم ، فلا تُلقُوا بمعاوِلِكم السّاخرة أرضاً أيُّها البشر !لا شئ يستحقُّ هذه الجدّيةالمُفرِطة لا أمرَ يستحقّ أن نحرِقَ من أجلهِ أعصابنا الرّثّة ، الضّحكة الأخيرة ، ضِحكةٌ عَذبة ، لذلك هي أخيرة ، فلا تحرِموا أنفسَكم منها .
ولا تتمنّى يا رفيقي حياةَ أحدٍ ، بل اسخر منها قدرَ المُستطاع كما تسخرُ مما تجري حياتَك عليها ، فلستَ تعلم من حياتِهم إلا قشورَها ،ولم ترَ من القصّة إلا سطرَها الأوّل ، لعلّ النعمةَ فتنة، والشّهرةَ قلَق، والمالَ غِواية، والهيبةَ قِشرة، والرّاحة خوف. وهدوءُ الشاطئ لا يدلّ على نومِ ما فيه. لن تحتملَ وجهًا غير وجهك ، ولا جسَداً غير جسدِك ، ولا لحظةً ليست لك .
على الإنسانِ أن يدرّب نفسَه وقلبهُ على الفَقد،ومن ثمّ اللامبالاة وقهرِ ما هو لاحقٌ له ، لأنّ كلّ ما نملكهُ اليوم سنخسَرهُ غدًا، أفراحُنا الصّغيرة، بهجتُنا بمن نُحبّ ، هبَلُنا وكلُّ عواطفنا المُشرقة ، كلُّ جميلٍ الآن هو مشروعُ خسارةٍ لاحقًا . صحيحٌ أنّ التفكيرَ في احتمالِ الخسارة يفسدُ بهجتَنا بالحاضر ، لكنّه يُكسبُنا مناعةً نفسية أمامَ الهزّاتِ الكُبرى .

قبل aktub falah

3 يعتقد على "” فلسفةُ السُّخريةِ وقَهرِ الواقِع ” “الكاتب محمد الكلابي”"
  1. اطروحة نفسية فلسفية قيمة ومقاربة ابتكارية ستيتمخض عنها الكثير من التساؤلات الجدلية…
    ماوراء تخوم اللغة ينفتح المقال على متاهات من الدلالات الادبية؛ هي بدء ركوب المدهش والمجهول ، وهذا لا يتأتى إلا للكتاب المبدعين ، حقا ، والمختلفين.
    كثر يكتبون عن السخرية و الواقع ،ولكني قرأت الاختلاف والتميز لغة ومعنى واستشهادا .
    هنيئاً للأدب العربي و العراقي بهكذا موهبة
    نفتخر بك يا محمد فأنت خير من يُمثل الشباب
    دمت مبدعا ومتألقا
    حسن ناظم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *