إنّ الأشكال تتغير، وهي بتغيير زمني ومكاني، وهذا مايدعو إلى تغيير الرؤى التي يعتمدها الباث عادة في نصّه التي تقبل تلك التغييرات، وإذا كان جامدا، فسوف تجمد تلك الرؤى، وتصبح تقليدية، وطالما العالم بتغيير مستمر، فالزمن بتغيير أيضا، وكذلك المكانية تنتقل من زمن مكاني إلى زمن لامكاني، فيصبح النصّ الشعري ذا محسوس من طراز زمني مكاني، ويصبح ذات زمن لامكاني أيضا، وذلك للبحث عن مكانية الحدث الشعري، هذا في حالة تواجد الزمن خارج المكان ..
قد ندرك الأشياء ( بشكل عام )، بشكل مشترك، وهي تحرّك المحسوس الداخلي من وإلى الآخر، ولكن إدراك الأشياء ومايخصّ النصّ الشعري أحادي، فمن الصعب جدا أن ندرك مع الباث إدراكاته الداخلية وهو ينحت تمثالا من حجر، فالنصّ الشعري ليس له حركة إدراكية مشتركة، كما يثير بعض الفلاسفة حول الإدراك المشترك، وهي نظرة عامة تتخذ من الأشياء بمنظور مشترك، فمن الطبيعي يكون الإدراك مشتركا، بينما المنظور النصّي يختلف كلّ الاختلاف، فالمتخيل لايشركه أحد، وكما قلت كلّ شاعر في داخله متخيّـل، وهو مدرك للأشياء وللحدث الشعري الذي يتخيّـله بشكله التجريدي، فإذا كان التجريد، فقد حضر المتخيّـل، وغاب الاشراك معه .. ( 1 )
وعندما يبحث المحسوس فهناك الغامض عنه، وبالرغم من غموضه إمّا ينقله لجمالية الغموض وتعميمه وإمّا نسفه والعمل على بنائه من جديد، والكثير من الأحيان ومن خلال توظيف المنظور الغامض يعمل المحسوس على نسفه وذلك لتجزئة أركانه والعمل على بنائه من جديد، مما يلوّح إلينا المحسوس بأنّـه قاتل، ومجرم في عمله هذا، ولكن نسبة الإجرام تختلف عن غيره، فإنّـه مجرم لإعادة البناء، وليس ناسفا لتهديم أركان الغموض الذي واجهه بكل عناية؛ وهكذا يقودنا المحسوس أيضا إلى اللاغموض، والمعقول غير المباشر، فالنصّ الذي يعتمد المفهوم والتأويل، من النصوص التي توزع تأثيراتها على الجميع، لذلك وجلّ ما يأخذنا الناسف الجديد إلى الرمزية المعقولة بوسيلة النسف المتعمّد .. فهذه المعادلة لاتنطبق فقط حول ما يلاحظه المحسوس، وإنما حول الأشياء المناسبة أيضا، فأنت تعتنق الأشياء التي تعودت عليها، وهي تشكّـل من الأشياء المتقاربة، وأما الأشياء الغريبة فينظر إليها من خلال الحفظ ، وليس من خلال توظيفها، لأنها عصية الفهم؛ والمحسوس جلّ مايعانيه سوء فهم الأشياء، ونسف تلك الأشياء هذا يعني يمتلك البدائل منها، نعم هناك البدائل لتوظيفها في نصّه الجديد، نحن لسنا مع المصاعب وإنما تفتيت تلك المصاعب، وتحويلها إلى تأمّلات حسية، ومن الواضح العوامل النفسية في القياس الشعري، لها الفعّـالية القصوى بتحويل المصاعب، وكأنّ الجندي العائد من الحرب ، عاد من مصاعب، ومصيبته التي تجاوزها هو الموت، لأنّـها الحرب، وإمّا أن يصطدم بمصاعب أخرى، فهذا يعني أنّـه انتقل من خيبة إلى خيبة، والعامل النفسي له الأثر الفعّال بتحويل الخيبات، والعامل النفسي يبحث عنه المحسوس بكلّ تأكيد، لأنّـه من مجاوراته المعتادة ..
…
..
1- (( جاء الهجوم الأعنف على نظرية الحس المشترك للإدراك حال دراسة مسببات الإحساسات . أو أثر لذلك الهجوم على آراء الفلاسفة قاد الى عقيدة جون لوك في أن الخصائص الثانوية ذاتية . إنكار بيركلي للمادة مشتق جزئيا وليس بصورة أساسية من النظريات العلمية للصوت والضوء . أصبح التحول العلمي للعقائد الخاصة للحس المشترك للإدراك مهما بدرجة كبيرة للفعليين البريطانيين . كان تعريف جون ستيوارت ميل للمادة على أنها ” إمكانية دائمة للإحساس ” نتيجة لتوفيقه بين العلم وبيركلي وكذلك كانت عقيدة الماديين التي قدسها الاتحاد السوفيتي تحت مسلك لينين في أن ” المادة ” هي ” سبب الإحساسات ” . – ص 122 – ماوراء المعنى والحقيقة – برتراند راسل – ترجمة : محمد قدري عمارة )) .
…
جزء من ملف موسع تحت عنوان: المحسوس المتغير والرؤيوية
ضمن كتاب : المحسوس وثقافة المتخيل..
كتاب نظري يظهر نهاية عام 2022