بين غياب الحاضر وتشتت الماضي ومجهول المستقبل نرى أنفسنا تحت قبضة القدر خائفين مرتاعين مترددين .
فما هو هذا الحاضر الذي غابت عنا ايقاعاته ونغماته ؟ أين نحن منه ؟ هل نظل جالسين تحت مظلته ننتظر ثمة اشارة للنهوض ؟ أحقا هذا الحاضر تظلله سحابات سوداء معتمة ؟
لعل الخدر أصاب أحاسيسنا فلم نعد نشعر بالفارق بين الحركة والسكون ، ولعل أفكارنا تبلدت فلم نعد نفهم ما ينفع وما يضر .
وربما كانت المسألة برمتها خيبة أمل ومعها احباط ، ويعود صدى السؤال الى مكمنه فلا يفارقنا اليأس وتلازمنا دوامة الانتظار بلا جدوى .
انه الكابوس الرهيب الذي نذوق مرارته بين ساعة وساعة وبين ليل ونهار ومع كل شروق وغروب ، فيا له من مأزق وضعنا تحت طائلته ، أليس اذن هو هذا الحاضر الغائب بعينه أم هي فقاعات نخشى انفجارها في كل لحظة ؟
ترى ماذا يوحي لك المنظر وأنت ترى صبيا يتسكع وشابا يلهو لهو الشياطين وفتاة عابثة تبدو على سيماء وجهها ضحكة بلهاء وامرأة تذرف الدموع وهي تتسول ؟
أجل ماذا يوحي لك مشهد دخان وحريق وصوت رصاصات طائشة وجندي مدجج بالسلاح جاء من وراء الحدود ؟
هل أنت قادر على حماية نفسك من الاغتيال ومن اللصوص والمحتالين والمنحرفين ؟
أليس هذا هو الحاضر الذي تغيب فيه البسمة والآمال والتطلعات ؟
أما الماضي فلم نعد قادرين على احتوائه ، ذلك أنه ضاع في هامش النسيان ولم تعد الذاكرة تتفهمه .
لقد تشتتت تفاصيله وتغيرت صورته ولاحت من ورائه أسرار وألغاز من الصعب ادراكها .
نريد أن نجذبه الينا بكل صفحاته الحلوة والمرة غير أن الضباب يحجب الرؤية .
وبقول مختصر أصبح هذا الماضي ثقيلا على أنفاسنا لأننا خائفون من امتصاص شحنته وما فيه من عبق نفتقر اليه .
غير أن المستقبل قد يبدو أكثر قتامة من الحاضر ، اذ ليست لدينا خطوات نبدأ بها ولا ارهاصات نتأملها حتى الأحلام باتت كالسراب .
مستقبل يلفه غموض .. كيف لنا أن نتفحصه ونكشف أسراره وليست لدينا وسيلة واحدة من الادراك لفهمه ؟
ان اليأس ليس حلا للمسألة ولا التردد ولا التراجع ، ولعل الزمن يعيد لنا صحوة النفوس ، ولعل القدر يخبيء لنا غير ما نتوقع ، وقد تأتينا مفاجأة لم نحسب حسابها يوما .
والتفسير المنطقي للمنظر الذي يحيطنا أننا فرطنا بكل شيء حتى باتت الحقيقة غير واضحة ليكون الفهم هو الآخر بعيدا عن عقولنا وبصائرنا وضمائرنا ، فهل تكون لنا وقفة نسترجع فيها ما مضى وما ستأتي به الأيام القابلة ؟