لابد من القول إن الاساس الفكري للاحزاب السياسية وجد منذ وجود البشرية؛ وهناك افتراض مثالي عادة ما يوجد لدى الفلسفات المثالية او الايديولوجية مثل الاسلامية والشيوعية والماركسية والقومية ونعني هنا الايديولوجيات التي تفترض ان هناك صورة مثالية في العقل يمكن تطبيقها في الواقع، وتفترض الفلسفات المثالية ان المجتمع منسجم وأن حاجاته واحدة متشابهة والاختلافات الموجودة فيه هي اختلافات شخصية وفردية لا تؤثر في انسجامه. أن هذا الافتراض خاطئ حتماً إذ يجري عبره قمع الاحزاب وعدم السماح لها بممارسة عملها الحزبي بالدفاع عن الجماعة؛ لكن السؤال هو: ماذا نعني بالمجتمع المنسجم؟ نعني أن الناس ليس لديهم خلافات داخل المجتمع الذي تحكمه الأحزاب النافذة بخصوص المصلحة العامة أي أن كل مصلحة يدخل بها شخصان أو ثلاثة أو اربعة ويتطلب حضور الدولة فيه بشكل من الاشكال وأن اي خلافات شخصية حينما تتحول إلى صراع يتطلب الذهاب إلى مراكز الشرطة أو المحاكم حينها تصبح شأناً عاماً من خلال دخول الدولة في هذا الخلاف.
واقعاَ لا يوجد اي مجتمع منسجم لأن المصالح لكل مجتمع مختلفة ومتناقضة وهذا شيء طبيعي، إذ تنظر الفلسفات المثالية بارتياب إلى التنوع وهو ما يحصل بالضبط في عراق ما بعد 2003 كون البلاد تسيطر عليها أحزاب تفترض انها تعلم بمصالح المجتمع.
إن التنوع في حاجات ومتطلبات اي مجتمع يتطلب وجود احزاب تمثل هذه المصالح، مثال على ذلك في اي مجتمع هناك صناعيون وزراعيون وتجار مصالحهم مختلفة فيما بينهم فمثلا الصناعيون والزراعيون يرغبون بسياسات حمائية مختلفة عن حاجات التجار الذين يرغبون برفع التعريفات الكمركية لتسهيل دخول البضائع، لهذا لا يمكن ان نتفق مع رأي الاحزاب المثالية التي تفترض أن المجتمع متجانس.
العراق متنوع دينياً وعرقياً وفكرياً ومهنياً وعقائدياً والاشكالية ليست في هذا التنوع بل الأهم هو تحول هذا التنوع الى تعددية بحيث تكون كل جماعة ممثلة بجهة سياسية لها قرارها وصوتها المسموع لأن التنوع هو شيء طبيعي في المجتمع أما التعدد الذي نقصد به الترتيبات المؤسساتية التي يصنعها المجتمع كي يظهر التنوع فيه على كل الصعد (الإعلام والافكار والتعليم اي على مستوى الحيز العام) لأن هذه الأفكار اذا بقيت على المستوى الفكري ولم تتحول وتترجم في مؤسسات الدولة الرسمية فهذا يعني اننا في ظل نظام دكتاتوري؛ وبالعودة للتجربة العراقية بعد العام 2003 الذي أُريد له أن يكون عراقاً ديمقراطياً فإن هذا البلد ما يزال بعيدا عن التعددية، رغم أنه بلد متنوع؛ فالجماعات الكبيرة مسيطرة على المجتمع مثل الافكار الدينية والمقصود سيطرة الفكر الإسلامي على باقي الديانات وسيطرة القومية العربية على باقي القوميات وغيرها، وكمثال واقعي على ذلك هي الديانة الإيزيدية حيث أننا لحد هذه اللحظة لا نعرف عن المجتمع الايزيدي إلا القليل (دياناتهم ، وثقافتهم، وعاداتهم وطبائعهم) لأن هذا المكون الأصيل لم يُدرس بالمدارس ولا يتم تسليط الضوء عليهم في الاعلام؛ أما المنظمات الايزيدية فهي أقلوية وهي ترعى المصالح الايزيدية ولا تساهم بتثقيف الحيز العام وهذه المشكلة تشمل مكونات اخرى كالصابئة وغيرها من المكونات العراقية كالشبك والزرادشتيين والبهائيين وغيرهم، وهذا الحال لا يسري على المكونات العراقية فحسب بل ايضا على مستوى الافكار باسم العيب الاجتماعي والمحافظة على اخلاق المجتمع ولهذا يُمنع ان تتمظهر افكار لمجاميع عراقية في الحيز العام بمعنى هذه الافكار تبقى حبيسة الحيز الخاص ولا تصل إلى النطاق العام أي في الإعلام وخطابات الساسة ومؤسسات الدولة والخطب.
الخلاصة أننا وبعد تسعة عشر عاماً من التغيير للأسف لم نصل إلى مستوى التعددية في المجتمع العراقي رغم أن الهدف من اسقاط الدكتاتورة كان بذريعة حرية الرأي واحترام مبادئ حقوق الإنسان.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *