في ( الرطينة ) السياسية ونقاشات النخب العراقية الحامي الوطيس والاستغراق في الازمات الراهنة ( ليس في تفكيكها وعلاقتها المباشرة وغير المباشرة بما حصل ويحصل ) الكل يبحث عن مفتاح للحل في حين وجد المواطن نفسه غارق في حاجاته اليومية بعد ان تم خفض احلامه وتطلعاته في البحث عن ( العدالة والثروة والمستقبل والسيادة الوطنية ).لا يوجد لحد الان افق لأستشراف المستقبل ولا يوجد يقين ثابت عن وجود حلول جذرية محددة لأن الازمات تتغير وتتطور بشكل متسارع على مستوى الداخل والخارج . لازالت العملية السياسية تعيش حتمياتها الكبرى ومفاهيمها الملجومة.
من يعتقد ان الانسداد السياسي والمشاكل العالقة وعدم وجود حلول هو نتاج وضع راهن فعليه ان يراجع قناعاته . لم نكن يوما افضل مما نحن عليه الان من حال. كنا نواجه تحديات مختلفة على مستوى الخوف واحتكار السلطة ‘ لم نشعر بالحرية او الانعتاق. حروب نفسية ومداهمات واستخبارات وامن وتقارير سرية ووشاة وشرطة وجلادين وسجون ( ومنظمات سرية ) وتم تصنيف ابناء المجتمع الى فريقين اما حلفاء للسلطة او اعداء لها وكذلك تم تقسيم المدن والمحافظات ( الى بيضاء وسوداء ) مدن السلطة ( ومدن ما يطلق عليهم بالمخربين ).وهكذا تم خلق مجتمع هش وغير منيع ومخترق لذلك عندما جاء لاحقا ( العلاس والقفاص والواشي والحشاش وابو درع والفاسد والمتسلق والمفخخ ) فهؤلاء نتاج طبيعي للتداعي والانهيار الاجتماعي الذي مر عبر مجموعة مراحل من الاخفاق السياسي. وعندما سقط النظام لم يسقط وحده وانما سقطت معه كل تلك الشخصيات المزروعة بالرعب والخوف والاقنعة والتوجس والريبة. وبدل المحافظة على قيم الحياة وحب الحياة ونعزز الثقافة الوطنية بحب الارض والانسان انكشفت هشاشة وضعنا وظهر للعيان حجم تمزقنا وطبيعة العقل السياسي والاجتماعي والثقافي والديني. الكل يبحث عن الحل من دون ان يأتي من يطرح فكرة اعادة صياغة العقل السياسي الذي لم يتحرر لحد الان من الداخل ( حرية الذات ) وبقى حبيبس القناعات الرثة والثابتة وانعدام المرونة في التفكير ( اما ان تكون معي في حالة دمج كامل او اقوم بألغائك ونفيك ومحوك ). ولم تستطع كل عيون النفط الهائلة والمتدفقة بالمال من ان تغطي على عيوبنا او تستر عاهاتنا فأنتجنا الفساد والفشل( فشلنا في انتاج الادباء والمفكرين والفنانين والعلماء) والجهل والامية وتفشي المخدرات والفقر. قد لا يشعر البعض بما نتكلم عنه لأن هذا ( البعض ) يعيش مأزق ذاتي وثقافي ومعرفي . لازلنا نفهم الخصومة على اساس انها عداوة .لا وجود لمساحة من المشاركة ‘ ( اما الكل او لا شي ).الغريب ان الذين يبحثون عن مفاتيح الحلول يستعملون ذات اللغة السياسية الانشائية ويستعملون ذات المعايير الفردية ( من شطارة وحيلة واستعراض وانتفاخ نفسي _ مرضي _ ) او يشاركون في تغذية جذور الازمة من حيث لا يشعرون عن طريق الرضوخ والاستسلام كما لو انهم يضعون مصيرهم من كل هذا الاستنزاف ومن كل هذه الازمات ومن كل هذه الانسدادات وتراجع القيم والامن والاقتصاد ويتبرعون بها بلا مقابل. لأنهم لم يعد يهمهم من سيربح ومن سيخسر. الافكار الخلاقة تصبح لا قيمة لها من دون ظروف ومن دون ادوات لتنفيذها ‘ نسمع الكثير من الحلول النظرية لكن ما هي ادوات هذه الحلول وكيف يمكن تطبيقها . هل بتجديد الخطاب السياسي والعقائدي ( المبني على الالغاء والاقصاء والذم ) ؟ ام من خلال مراجعة كل شي على مستوى الحاضر والماضي ام اعادة قراءة العقل السياسي الصلب الذي اوصلنا لما نحو عليه الان من وضع كارثي وادخلنا في متاهة الانسداد السياسي وسوء ادارة السلطة وغياب الحلول.