حسناء ‘مملوحة حيل’ غزال شارد وجمال أخاذ تخطف الأبصار، وترى بقربها رجل عادي أو اقل منها يصطحبها في مكان عام، فتثير بحسنها السؤال: هل يتساوى الثرى بالثريا؟ وكيف يتسنى لهذا المحظوظ تلك الغزال التي تسرق الأبصار بحسنها الخلاب والذي يحل جمالها عن حبل المشنقة ‘كما يقولون’ أن يفوز بها زوجة، وعندما تعرف أن من يرافق هذه الجميلة هو زوجها فانك تضرب كفا بكف، وتغتابه الألسن حسدا أو غبطة.
وما يدهش حقا ليس الفارق بينهما، فالمرأة لا بأس إن كانت أجمل من الرجل ولكن إذا اكتشفت ان هذا الرجل الذي حظي بتلك الجميلة شخص ‘بصباص’ أو ‘عينه زائغة’ ونظراته تلاحق من هب ودب من النساء واللواتي هن أدنى جمالا من زوجته، عندها لا تعرف كيف تجيب في قرارة نفسك عن سؤالها الملح ‘لماذا؟’ وقد من الله عليه بزوجة حسناء يتمناها ويحسده عليها كل الرجال.
مثل هذه المواقف تحدث كثيرا أمامنا ولا نجد إجابة عن سؤال: لماذا ينظر مثل هذا الرجل إلى أخرى أدنى جمالا من زوجته؟ إلا أن تحقيقنا التالي قد يفسر من خلال بعض الآراء ما قد يكون إجابة أو محاولة للإجابة عن هذا السؤال. يبحث احمد عبدالله بشغف بين قريباته عمن تملأ بحسنها عينيه وتغنيه عن نساء العالمين، وما تمناه حظي به فتزوج كما يقولون ‘مملوحة حيل’، إلا أن هذا الجمال لم يردع عينيه عن الكف عن ملاحقة النساء حتى ممن هن اقل وأدنى من زوجته، ويرى احمد أن الطبيعة البشرية في حب الرجل للمرأة والعكس ما يجعل هناك جاذبية في تبادل النظرات دائما بين الرجال والنساء، ولا يتغلب جمال الزوجة مهما كان مقدراه في مقاومة هذه الجاذبية الكونية وانجذاب الرجل نحو المرأة.
وليس بالضرورة أن تكون النظرات العابرة أو ‘البصبصة’ لها معان غير أخلاقية أو أهداف غير نزيهة، بل قد تكون نتيجة للفطرة والطبيعة البشرية وحب استطلاع يقوده الشغف للطرف الآخر.
ويوافق يوسف الفقي احمد معتبرا أن حب الجمال غريزة في كل إنسان لأن الله جميل يحب الجمال مبينا أن لجمال المرأة جاذبية لا تقاوم من الرجال حتى أولئك الملتزمون بالشرع يحبون الجمال ولكنهم يقاومونه بقوة إيمانهم.
ويعتبر أن الرجل ‘البصباص’ لا يعني بالضرورة انه ذو علاقات غير مشروعة أو انه ‘زير نساء’ كما يقولون فقد يكون قد اعتاد منذ صغره أو بلوغه على الاهتمام بملاحقة النساء ومناظرتهن فيغلب الطبع على سلوكه لاحقا، ولان من شب على شيء شاب عليه، وحتى لو حظي بأجمل نساء الأرض يبقى طبعه غالبا فيلاحق بنظراته النساء أينما حللن حتى ان كانت زوجته تفوقهن جمالا.

فضول ونقص
كثيرا ما نجد الزوجة في وضع ومكانة أفضل بكثير من وضع زوجها، ليس فقط في معيار الجمال وإنما بالمكانة الاجتماعية كذلك والوضع المادي والعلمي وغيرها، ومع ذلك تجد لمثل هذه الزوجات أزواجا مصابين بداء ‘البصبصة’، وعندما تتساءل عن السبب فانك لن تختلف مع خليفة الصليبي في رأيه أن هناك ‘عقدة نقص’ يشعر بها هؤلاء الرجال، لكونهم يعلمون ان زوجاتهن يفقنهم مكانة، فتحط بهم نار الغيرة والشعور بالدونية أمامهن ولا يجدون تنفيسا عن هذا الفارق المحسوس إلا بما يمتلكه هو وكأنه من هذه الزاوية يتحكم في معايير احترامها وتقديرها ليحط من شأنها وأمام عينيها، وكأنه يقول انك مهما وصلت إلى مكانة فإنني امتلك وأسيطر على اهانتك لو أردت.
والزوج في مثل هذه الحالة يعتبر انه يتحكم بإهانتها إن لم يكن بالزواج من أخرى فبالنظر إليها وهذا الأمر يكفي لإشعال نار الغيرة لدى المرأة ويزعزع ثقتها في نفسها وخوفها وقلقها من الأخريات أمثالها، ويدفعها إلى الشعور بأنها مهما وصلت من مكانة فان زوجها يستطيع أن يهز ثقتها بنفسها ويحاول أن يشعرها بالنقص، فتبقى أسيرة لإرضائه حتى لا يفلت من يدها.
ويشير إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أن ذلك ينطبق على كل الرجال الذين هم أدنى من زوجاتهم في المكانة أو التعليم، فقد يكون هناك أسباب أخرى مثل حب الاستطلاع أو لمجرد الفضول أو قد يكون الأمر طبعا في هذا الرجل ولكنها لا تعني بالضرورة الرغبة في توجيه الاهانة للزوجة.
قبيحة بقدر جمالها
الجميلات اليوم كثيرات، ولكن ليس بالضرورة أن كل جميلة تحمل ضمانا أو وثيقة لحماية زوجها من النظر إلى غيرها، وان كن اقل منها جمالا، فالجميلة المبهرة أحيانا من الخارج قد تكون مؤلمة وقبيحة من الداخل فينعكس داخلها المرير على مظهرها الجميل فيكره الزوج هذا الجمال بقدر ما كان يتمناه، ويتمنى لو يعود الزمن به إلى الوراء ليبحث عن جوهر نقي وليس مظهرا خداعا كما يعتقد، وهنا لا يشكل جمالها في عينيه سوى كره لها، وتجده يتجه أحيانا إلى النساء اللواتي على قدر من الجمال أو حتى اقل لان تفكيرها سينصب على صاحبة الأخلاق والقلب الطيب والجوهر الحسن والجمال الداخلي الذي يعمر طويلا ويحمل ضمانا واستمرارا لأفضل حياة زوجية هانئة.
خليفة الصليبي الذي اعتبر أن جمال المرأة ليس مقياسا لصد وردع نظرات الرجل إلى الأخريات لان الجمال الخارجي وحده لا يكفي خصوصا إذا كانت المرأة قبيحة من الداخل.
ويؤيده في ذلك عبدالمحسن العنزي الذي اعتبر أن الزوجة الجميلة لا يعني ذلك انها مكملة لواجباتها الزوجية على أكمل وجه أو أنها حسنة المعشر والتصرف والسلوك لان الزوج مع مرور الوقت يبحث عن حسنة العشرة، كما أن البعض من الازواج يتولد لديهم حب الانتقام من تلك الزوجة الجميلة التي في الغالب يتفوق غرورها على نفسيتها في إشارة إلى أن الرجل قد ينتقم بالنظر إلى غيرها ليشعرها في قرارة نفسها بأنها مهما كانت جميلة فهناك الأجمل منها أو على الأقل إن جمالها لا يكفي ليردع الرجل من النظر إلى مثيلاتها.
تعودت عيناه على جمالها
يقولون ان جمال الزوجة مهما كان مبهرا يصبح مع الوقت امرا عاديا، لأن العين تعودت عليه، فيزول عنصر الإثارة الذي كان قائما في السابق، وينطبق ذلك على الزوجة غير الجميلة أو القبيحة أيضا لان زوجها مع الوقت يألف شكلها ويبدأ في البحث عن جمال آخر يختلف عن جمال زوجته أو ليس بالضرورة أن يبحث بقدر ما قد يلفت انتباهه جمال آخر يختلف عما لديه تماما.
وهو بهذه الحالة كالطفل تماما الذي تبهره لعبة ما وعندما يستحوذ عليها يملها أو يبحث عن غيرها أو آخر يحب التفاح مثلا ويأكله كل يوم فيمله ويشتري جميع أنواع الفاكهة إذا أتيحت له الفرصة.
وحدثنا فايز الشطي الذي يرى للجمال أشكالا وألوانا ووجهات نظر أيضا، فما يراه جميلا قد يراه غيره عاديا أو قبيحا والعكس كذلك مشبها جمال المرأة بالفاكهة المتنوعة فإذا كان هو يحب العنب فان آخرين يحبون التفاح وهكذا، والإنسان بطبعه يحب أن يأكل جميع الأصناف ولا يلتزم بفاكهة وحيدة لأنه يملها والعين كذلك تحب أن ترى الجمال وتنظر إليه.
واعتبر الشطي أن الرجال غير متساوين في نظرتهم بمعنى أن هناك من ينظر نظرة بريئة عابرة ليس من ورائها أي مقصد أو غرض، ومنهم من ينظر ليستمتع أو ينظر لأغراض غير بريئة مشيرا إلى أن النظر إلى النساء أو ‘البصبصة’ تستند إلى عدة أسباب أو معايير أهمها مدى القناعة والرضا بما لديه أو على مدى احترامه وتمسكه بتلك الزوجة وحرصه على تماسك أسرته وترابطها، كذلك على مدى الأخلاق والاحترام والوازع الديني الذي يحدد علاقته بالآخرين أو الانضباط، كما يتوقف كذلك على التربية، فمن يتولد عنده الإحساس بالمسؤولية واحترام الآخر ومشاعره وغض البصر لا يمكن أن يتمادى في نظراته إلى الحد الذي يطلق عليه ‘البصبصة’ ولكن هي قد تكون نظرات عابرة لا تضر ولا تنفع.
الوازع الديني والشيطان
وخليفة محمد يعتبر أن الشيطان هو من يقود الرجل إلى ‘البصبصة’ معتبرا أن الوازع الديني والأخلاق هما الحامي الوحيد الذي يحد من نظرات الرجل إلى المرأة، وليس جمالها مقياسا لان يغض زوجها بصره، مشيرا إلى أن الجمال مهما كان حجمه تتعوده العين وتألفه مع مرور الوقت، ويبدأ الزوج حينها إن لم يكن بطبعه الإخلاص والوفاء بالبحث عن جمال آخر لا تملكه زوجته.
كذلك يرى خليفة أن الجميلة قد تهمل نفسها بعد الزواج، خصوصا بعد الإنجاب وتسمح لظروف الحياة وطبيعتها من أن تدمر هذا الجمال رغما عنها مما يدفع زوجها إن لم تعرف كيف تحافظ عليه بحسن أخلاقها إلى النظر إلى أخرى أو إلى التفكير بالزواج عليها مبينا أن بعض الرجال مهما كان مستوى جمال زوجاتهم حتى ان كن غير جميلات أصلا أو حتى لا تمت إحداهن إلى الجمال بصلة لا ينظرون إلى أخريات مهما كن صاحبات جمال أخاذ مرجعا ذلك إلى الأخلاق والتربية والدين وطبيعته الشخصية.
فراغة عين
وكما الرجل كان لرأي المرأة دور في معرفة ‘بصبصة’ الرجل إلى النساء لنتوقف على أسبابها ووجهة نظرها الخاصة في ذلك، وابتدأنا مع مي احمد لتعبر عن رأيها بالمثل القائل ‘الرجل لا يملأ عينه غير التراب’ وعلاقته بموضوع تحقيقنا حيث قالت إن من يقوم بذلك يدل على ‘دناوة’ الرجل وعينه الفارغة التي تقوده في الغالب إلى النظر إلى الأخريات. كما أن البعض قد يكون من طبعهم فعل ذلك ويطبقه على حياته أي انه يكون ممن ينظر إلى ما لدى غيره سواء كان مالا أو أملاكا أو حتى شريكة حياته، مشيرة إلى انه غالبا ما يجري مثل هؤلاء مقارنات مع الغير ويتمنى ما عند غيره حتى ان كان ما لديه أفضل وهذا ما نسميه الطمع وعدم القناعة والرضا.
وتبين أن الرجل الذي ‘يبصبص’ على النساء ولديه زوجة جميلة فان ‘عينه فارغة’ ليس فقط من هذه الزاوية وإنما هو كذلك في جميع أمور حياته.
كذلك عبرت نجود العلي عن الرجل ‘البصباص’ انه رجل خائن حتى ان كان بالنظر فحسب لان الخيانة ليست فقط خيانة الجسد وإنما خيانة النظر أيضا، معتبرة أن من يخون زوجته هو خائن لعمله وإنسانيته بأكملها ولا يستحق من المرأة الاحترام والتقدير، خصوصا إذا تعمد أن ينظر إلى أخرى أمامها من اجل إثارتها أو قهرها.
وتعتبر العلي أن مثل هؤلاء من الرجال لا تشعر معهم المرأة بالاطمئنان والراحة على الإطلاق وتبقى على مستقبلها ومستقبل أسرتها مع مثل هذا الرجل الذي هو بعيد عن الأخلاق أو الوفاء بعد الأرض عن السماء.
الكبت والعزلة في المراهقة
وان كانت ترى نجود أن الرجل ‘البصباص’ هو رجل خائن ترى ميرفت إبراهيم أن ‘البصباص’ قد لا يكون كذلك معللة أن مثل هذه العادة قد تنشأ لاحقا بعد الزواج وليس قبله كأن يكون الزوج وهو شاب شخصا منغلقا على نفسه غير اجتماعي فيعاني الكبت لأنه لم يعش مراهقة طبيعية ولم يحاول أن يقيم علاقات مع أخريات لأي سبب من الأسباب إلا انه بعد الزواج وبعد أن يستقر ويخرج الى العمل ويستمع إلى مغامرات غيره تتطور لديه مرحلة المراهقة التي لم يعشها ومن الممكن أن يقيم علاقات مراهقة مع أخريات نتيجة كبت سابق وعزلة، مبينة انه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو السبب الوحيد وإنما قد لا يشعر مع زوجته بعد الزواج بأنها فتاة أحلامه نتيجة اختيار ذويه لها وليس هو.
بعض النساء الجميلات خصوصا اللواتي يحظين بإعجاب كبير من غالبية الرجال يعتقدن بان جمالهن الفتان لا يضاهيه جمال، فتدفع مثل هذه الزوجة زوجها إلى ‘النظر إلى غيرها أو البصبصة من دون أن تدري لأنها في كل حين تقحم نفسها في مقارنة مع الأخريات، ومن تكون الأجمل والأكثر جاذبية وحتى ممن يسرن في الشارع لتسمع من زوجها وجهة نظره التي تريدها إرضاء لغرورها بأنها الأجمل على الإطلاق، وهؤلاء النسوة يدفعن بأزواجهن إلى النظر إلى الأخريات وإجراء المقارنات بينهن وبين زوجته، وهذه الطريقة في إرضاء الغرور عند المرأة تجعل الزوج يبصبص من دون أن يشعر أو تشعر.
كما أن البعض من الرجال يستغلون ذلك لأخذ راحتهم وأحيانا يمثلون على زوجاتهم بنقد الأخريات لتشاركه النظر ويحصل على الحرية الكافية في البصبصة كما يشاء.
زواج تقليدي
حصة الفلاح تعتبر أن الزواج التقليدي وزواج الأقارب المفروض أحيانا عند بعض العائلات لا يعني اقتناع الزوج الكامل باختيار شريكته حتى ان كانت جميلة وربما يشعر في بعض الأحيان أنها مفروضة عليه من العائلة ولا يجد فيما بعد طموحه الذي تمناه في زوجته من حيث الثقافة أو العقل وطريقة التفكير والأسلوب، مشيرة إلى أن هذه الأمور لا تولد لديه قناعة بالإخلاص لزوجته في غض بصره عن الأخريات لأنه لم يحظ بما تمناه تماما.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *