وجوه متعددة لوجع طويل…

السيدة التي تنتظر عودة الأسرى

توقفت تماما عن متابعة الأخبار

وماعادت تطيل النظر إلى طريق السفر

السيدة التي تتشبث بأمل السلام

ماعادت تسألني: هل تنتهي الحرب؟!

بل صارت تكثر الكلام عن الزواج

والأسرة واعمال البيت

 

السيدة التي تنتظر ابنها

استبدلت رسائلها العلنية

بتمائم ورسائل خفية

تدسها في جيوبها او قرب فؤادها

كي لايقرأها سوى الله

هي لاتعرف أن مايكتبه

القلب تحت الصدر

يظهر مقروءاً على الجبين

آه…

كم توجعني تمائمك سيدتي!!

يامن تنتظر بحب

عودة اسرى الحرب …

 

الأب الذي ودع ولده المهاجر

تنفس الصعداء أخيراً وقال لنفسه:

“بإمكانه الآن أن يفكر ببنت حلال

أن يؤثث مستقبلا وعائلة وأولاد

يملؤون حياته الباردة

في بلاد شتاؤها أبيض بيوتها بيضاء

وأسرتها بيضاء

بإمكانه الآن أن يحلم بأطفالٍ

ينيرون طريقه وهو يهرول نحو الكهولة

فلا تغمره عتمة الليالي الموحشة”

الأب الذي تنفس الصعداء

كان يتلو لابنه دعاء السفر

وهو يتلمس طريقه إلى الوحدة

مطمئناً في عتمة ليلٍ شتوي

….

 

الفتاة التي تلبس قبعة صبيانية مقلوبة

تلك الغزالة

تضع راحتيها الصغيرتين في جيوب البنطال

وتصفر للطيور حين تسير وحيدةً في الحقول

 

الجميلة التي لاتخاف العتمة

لم تعد تزعجها رؤية الدجاج المذبوح

ولا منظر الدم المتقاطر

الغزالة التي كانت مولعة بالأرانب

والصيصان الصغيرة بزغبها الذهبي

باتت تسدد حجارتها نحو زغاليل الدوري

وعصافير التين

وفي المساء عندما تنام عيون الشمس

تتسلل نحو غرفة أمها خلسة

تطلق سراح شعرها الكستنائي

وتجلس أمام المرآة

تتأمل وجهها من كل جانب

تحدق في عينيها وتبحث في خضرتهما

عن أمها التائهة خلف جدران الخوف الصامت

في غياهب الحرب أو أزقة الحب

أو في صقيع الموت

هي لاتدري لكنها تحلم

تحدق في خضرة عينيها

تبكي تضحك وتسافر

إلى فضاء لاخوف فيه

تطلق فيه سراح قلبها وضحكتها

فضاء لاتلف فيه شعرها

وتخفيه تحت القبعة

كي لاتصفع بأنوثتها الصارخة

وجه جدها الصارم

فيوخزه حد الشرف المسنون

على نصل الخنجر…

 

الغزالة الرقيقة ترتجف كثيرا

وهي تطير كالفراشة دون جناحين

قبل أن تهوي على جدار نهشت به

براثن الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *