لا يمكن أن تنسجم خيارات العمل الوطني ، مع رغبة الاستئثار بالسلطة ، فبين الامرين هناك تقاطع واضح ، فالسلطة الوطنية تعتمد في منهجيتها على خطة وبرنامج عمل نهضوي في كافة الميادين ، ولابد لها من أن توظف الطاقات الإيجابية البشرية الوطنية وتحظى باهتمامات شعبية على وفق صدقيتها في التنفيذ ورغبتها الحقيقية في انجاز المصلحة الاجتماعية العامة في العدالة الاجتماعية والتطور البنيوي والاقتصادي للبلاد .
أما دوافع الرغبة ، فهي الإحاطة بالسلطة ورفض المشتركات مع الاخرين أو لنقل طرح أفكار وسياسات فوقية لا تقبل بها الأطراف الأخرى ، بالإضافة استنزاف الوقت وتبديد الزمن عبر الانتظار لاستجابة  الاخرين ، في هذه الحالة تصبح الرغبة مقدمة لأبوية الحكم التي تتحول بدورها على وفق المنافسات الجارية الى قوة الغاء للأخرين تحت مسميات مختلفة وشعارات جاهزة .
وبما إن الرغبة المستأثرة بالسلطة تمتلك أدوات الفعل للدولة ، فمسألة تحول الابوية للدكتاتورية ، قضية وقت ، أو بالأحرى عندما تشعر بأن مواقعها من الطرف الاخر لم تعد مأمونة وان سمعتها باتت محل تندر شعبي ، فتلجأ الى الاتهامات التي تسبق الالغاءات والابعاد والتصفيات .
ما يلاحظ  في الحوارات السياسية ، والأوراق والأفكار المطروحة من طرف للطرف الاخر ، تبرز امامنا كيفية التعامل مع المستقلين ، فالثلاثي ، يطالبهم بالانحياز له والتصويت له لإنجاح التصويت في اختيار رئيس الجمهورية ، ومثل هذا الموقف وتلك المطالبة تعبر على مسألتين الأولى وكأن البرلمانيين المستقلين هم مجموعة من البشر لاخيار لهم سوى الحصول على مواقع في السلطة ، يعبر عن ذلك الدعوة الفوقية لهم .
وهذا الموقف يلغي اساساً المشروع الاستقلالي الديمقراطي للكتل السياسية التي استحوذت واشتركت في السلطة دون ان تحقق شيئا للمجتمع ومن هذه الكيانات الطرف الثلاثي . وبرزت الدعوة لنظام وطني عبر انتفاضة تشرين وما قبلها ، وان لم تحقق هذه الانتفاضة مشروعها بحكم اختلاطات العديد من العوامل إلا إنها ثبتت بعض القضايا المهمة المعروفة للجميع ، وكان وجود المستقلين في البرلمان هو استجابة لمشروعية تشرين ، فليس من المقبول التعامل معهم بدون طرح اليات مشروع السلطة وبرنامجها يكون عملاً تسلطياً لا تقبل به تشرين ولا الذين وصلوا للبرلمان باسم الخط الجديد للنهوض بالوطن وتحقيق مشروع السلطة الوطنية .
أما طرح فكرة ان يتولى المستقلون تشكيل الحكومة وتعيين رئيس الوزراء ، فهذا الطرح اشبه من يسبح بالبركة ويقال له أمامك البحر ، فكيف يمكن للمستقلين العمل وسط كتل كبيرة ومجربة في الحكم ، وهم أي المستقلون لا يملكون كتلة وازنة لدعمهم ومساندتهم ، ثم الكل يعرف بأن العاملين في الدولة وأجهزتها المختلفة اغلبهم من الكيانات السياسية والثلاثي بينهم يلتزمون بوصايا وارشادات احزابهم وهناك اكثر من
قضية وحادثة وقعت ، فكيف للمستقلين إدارة العمل  بشروط وقوانين الدولة .
بغض النظر عن الاختلافات بين التنسيقي والثلاثي ، وهي بالأساس ، مبنية على اللاثقة والنوايا المخفية فأن هناك خشية حقيقية من طريقة طرح الأفكار التعجيزية التي قد يكون وهو المرجح للأطراف الخارجية دوراً فيها أن تصبح الساحة العراقية مسرحاً   لعودة المتربصين بالعراق امنيا واجتماعيا ، ومثل هذا الوضع سيكون خسارة للجميع ، سيما أولئك الذين يريدون وطنا امنا خال من عوامل الفرقة والصراع ، ويتجه نحو البناء والتطور وهو يستحق ذلك اسوة بشعوب المنطقة والعالم ، ويمتلك من الإمكانيات المؤهلة لذلك ، لكنه مع الأسف الشديد لا يمتلك من يتحسس شعور الألم لدى ابناءه .
إن الخيار بين سلطة وطنية بشروط البرنامج النهضوي الواضح وبين الرغبة في الاستئثار بالسلطة تحت عناوين متعددة عاملان مختلفان ، فالسلطة الوطنية القوية جامعة لكل من يريد العمل من اجل العراق والخلاص من تراكمات الماضي ، والرغبة في الحكم على واقعة فرض الشروط ورفض الاخرين مسألة تستهدف السيطرة على الحكم ، لو كان الأمر غير ذلك فلماذا لم يطرح الثلاثي برنامج العمل للمرحلة القادمة ويصر على قيادة الثلاثي ، لمجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ، فيما يذهب التنسيقي بالمقابل لتقييد الحركة عبر حجب الثقة في الاختيار دون تقديم مشروع إصلاحي يلتقي فيه مع الثلاثي ، بغية الخروج من الازمة ، إنها أزمة لم يخسر فيها هؤلاء جميعا وإنما الخاسر الأول هو الشعب والوطن .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *