اعتدتُ دومًا أن أبدأ رسائلي بعزيزي القمر، على الرغم أنه ما مِن قمرٍ في حياتي حقيقةً، لكنه خيالي الخصب اتفق مع فراغي الشاسع ووحدتي القاتلة وشكَّلا قمرًا من العدمِ ليكون لي كلَّ شيء، الصديق والحبيب والروح التي تُبهِج روحي وتزرع فيها من الأحلام والآمال والبهجة الكثير والكثير.
ليكون لي السند الذي أستند بضعفي عليه وأنا على ثقةٍ تامةٍ أنه مهما أثقلتُ عليه لن يميل.
وليكون لي الحياة التي لا أعلم عنها شيئا سوى أنها خارج جدران غرفتي وخارج حدود جسدي الهش الذي يهرب منه الأطفال الصغار والغرباء تمامًا كما أحاول مِرارًا الهرب منه، وكل مرةٍ كنتُ أفشل وأعود جارَّةً ذيول خيبتي وخذلاني منزوِيةً ومحشورةً في زوايا وِحدَتي.
أعلم تمامًا أنه لا حقَّ لي بفكرةِ الحب، ولا قدرة لي على مجابهةِ مغامرةٍ مشاعريَّةٍ تفوقُ حدودي المتواضعة الضئيلة، ولكني يئست!
يئستُ من وحدتي وألمي، ومن وجودي دومًا خلف قضبان الحياة كالمتفرِّج الفقير الذي لا يحقُّ له أن يكون بين الجموع ذوي الطبقة المُخملية والمتوسطة داخل قاعةِ العرضِ!
ويئستُ من كَوني مسجونةٌ داخل جسدٍ مسجونٍ داخل وطنٍ ليس هو وطنه، ولا وطن له أصلًا!
وجدتُكَ وطنًا أو هكذا ظننت ولهذا تعلَّقتُ بك دون أن أنتبه!
لا يهم الآن أيًّا مما قد أقوله، ولكنك سرقت من أعماقي شيئا وغِبت بعيدًا، بعيدًا جدًّا حيث اللاعودة!
كنتَ حقيقةً واضحةً وصريحة، وكنتُ فخورة بما حصلتُ عليه من حياةٍ خذلتني مجددا وأخذتكَ حيث اللاوجود الحقيقي!
خِلتُكَ ذلك القمر الذي يمتلك رسائلي ولكني تأكدتُ أنكَ لستَ هو، كنتَ حقيقةً جميلة، كنتَ أملًا لذيذًا وتلاشَيت!
لا طاقة لي للعِتاب والخِصام، لأني متعبة جدًّا
متعبةٌ حدَّ الرغبةِ بالاختفاء عن الوجود، ولكن اسمح لي بسؤالٍ قتلني من شدة دورانه داخل عقلي، كسرني وجعل الرماديَّ داخلي مظلم.
لماذا اعتنقتَ الغياب فجأةً بدون أن تلوِّح لي مُودِّعًا؟
هل كانت فِعلتُكَ ضريبةَ جعلي أتهم قمرًا خياليًّا بفعلٍ كهذا؟
أم أنك تريد أن تأخذ مكانه طمعًا برسائل بائسة رديئة؟
لن يهم كل ذلك بعد الآن، كن بخيرٍ لأجلي وحلِّق في سماءِ الحياة حرًّا ولا تلتفِت يومًا لسجينةٍ بائسةٍ وحيدة.