قبل أكثر من ثماني عشرة سنة، كنت قد كتبت مقالاً، تحت عنوان (بعض الأطباء)، ذكرت فيه محاسن أحد الأطباء المرموقين في بغداد معي، وقت ذآك، دون ذكر إسمه، كي لا يؤخذ على انه إعلان للطبيب، وهو فعلاً يستحق أن نذكره دائماً، لمواقفه الإنسانية المعروفة عند الجميع.
الآن.. بعدما توفى الطبيب قبل سنوات، ووفاءً وتقديراً لموقفه الإنساني النبيل، أذكر إسمه وموقفه المشرف، فضلاً لمقارنته الآن مع جشع أغلب أطبائنا اليوم للأسف الشديد، لذا.. أكرر صياغة ذكرى المقال وفق ما يلي:
أذكر وأنا في فترة الصبا من حياتي، كنت أعاود الطبيب الجراح سامي لورنس، (مسيحي الديانة) وكانت عيادته في منطقة بغداد الجديدة (كراج الأمانة) – الرصافة – لفترة طويلة، لحالة جراحية استوجبت التواصل معه، وبمجرد أنه قد علم بانني أحمل بداخلي من هواية إبداعية، إمتنع عن إستيفاء أجور الكشف والعلاج مني، تشجيعاً منه لموهبتي، على الرغم من أني لم أقدم له إثباتاً مادياً من موهبتي.. حتى تشافيت تماماً.. أستذكر هذه الصورة الرائعة والجميلة لمهنة الطب الإنسانية الصحيحة، ويحز في نفوسنا جميعاً نحن العراقيين اليوم المشهد المأساوي غير اللائق لمهنة الطب التي أتخذتها (الأغلبية) من أطبائنا، للأسف الشديد (حرفة) تجارية مربحة ومضمونة، كحال التجار الجشعين، بحكم إنتشار الأمراض المزمنة والمتنوعة التي أصابت أبناء شعبنا المساكين.. حيث نعيش جميعاً حالة العوز الإقتصادي والفاقة والفقر المدقع والعطالة والبطالة الطويلة.. إلخ. قبل أيام كنت في إحدى الصيدليات لشراء حاجتي من الأدوية، وإذا برجل يدلف إلى الصيدلية وهو يتأفف ويتضجر من الوضع الإقتصادي المزري وغلاء أجور كشف الأطباء حسب أهوائهم والمبالغة فيها فوق التصور.. فخاطب الرجل الصيدلي: يا أخي أذهب إلى الطبيب (يقصبني) بكشفية عالية.. وأنتم تبيعون لنا الدواء باسعار مضاعفة.. أين نولي وجوهنا، وأين هو العمل، وأين هي الفلوس الكافية؟. فما كان من الصيدلي إلا أن أجابه: لا تذهب إلى الطبيب، تعال لي مباشرة، وإشرح لي داءك وأنا أصرف لك دواءك (أي بدون إستشارة الطبيب).. وفعلاً.. صرف له الدواء، بعد سماع حالة الرجل المرضية.. وشر البلية ما يضحك.. أليس كذلك؟!!. وعندما نحاول البحث والتقصي عن أسباب ومسببات هذه السلبيات التي سودت بياض مهنة الطب الإنسانية، على الرغم من معرفتنا المسبقة بالإجابة التي يعلقونها على شمعة إرتفاع إيجارات العيادات المملة والحالة المعيشية (المترفة).. و.. و..، وقد يضيفون أخيراً عليها الأوضاع الأمنية المتردية للبلد، والإرهاب الدولي، الذي جاء إلى العراق، والمصير المجهول للإنتخابات القادمة.. ولا أدري ما علاقة هذا بذاك..؟!!. إرحمونا.. يرحمكم الله.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *