بما أن لوثتي تصرُّ أن تزورني ليلا
أذهبُ إلى النوم فلا أجده..
زُقاقُ الليل طويلٌ وصديق
نجرجر الأرصفةَ والسمَرَ خيبةً تلوَ أخرى
نَخرِزُ الحبّات في آخر المطاف،
ونَعقِدها على الورقِ
بغمّازتَيْن..
الصباح كغيره يُولولُ،
لسانٌ ممضوغ
لا يقوى على كيل اللعنات
ونصفُ عينٍ مفتوحة على الوقت
تهشُّ النوم المُنتَكَس..
في الدقائق الأولى ما قبل الصحوِ
يُصرُّ بقّال الحيِّ أن يدغدغ الآذان
والأجساد الناعسة بهدير يُمَوْسِقُ للرهبة والخوف..
وأوقات تتكسر آنية رأسي
لألف شظية وشظية
ويزيد منسوبُ الحزن الذي
لا ينتهي في دمي..
أعصِبُ رأسي بأعشاب الحلم
وأُغرغرُ مقامات التأمُّل وأشردُ
هو لا يعرف أنّ سمعيَ،
مهما أَصَمَّهُ بقصفه العشوائيّ.
قد اعتكفَ قبل مجيئه
في ميلوديا الصمتِ
لا يستجيبُ لغيره..
ابن الجيران يصرُّ أن يعترض
طريقي إلى العمل
يطلبُ نقودا حَقَّ الجيرةِ
والدّخان وعطالتِه
وحقَّ الزمن الأصفر
وطقطقةِ الكعب العالي على إسفلت الحزن
أرمقه عند الزاوية أثناء عودتي
يدخن مُنتشيا سجائره
فأبادره بإيماءة قد تُسقِطُ حجر عينيه
المتأهبَ دوما لقتلي
أو لدفني حيةً مرّاتٍ
ومرّاتْ..
الإصرار تواطؤٌ صريح
والتواطؤ ظلٌّ تسلل إلينا
في غبَش الكون
لغاية ما..
والظلُّ يصرُّ أن يكبر كلبلاب
يُلبلِبُ بي حينا ويتسلّقني آخر
ثم يزحف في فمي
كثعبان رقيقٍ أرقط
يُلوِّعُني، فيُنقِّط سُمَّه قطرةً قطرة
بينما تَنملُ حواسّيَ، يسحبُني إليه
ويعصرني في حضنه
برقَّته المعهودة
كي أمضي معه بلا شهقةٍ
بلا حسرةٍ
في غيابٍ عميقْ..
__________