متابعة نيرة النعيمي
على خلاف باقي القوى والحركات السياسية الفاعلة في العراق، والتي تشهد بين وقت وآخر قرارات داخلية بفصل الأعضاء أو انشقاقات واستقالات متكررة، ينفرد “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر بظاهرة التجميد، التي يستعملها كعقوبة داخلية بحق أعضاء التيار الذين تبدر منهم تصرفات أو سياسات مخالفة للنهج العام للتيار الذي يحظى بقاعدة شعبية واسعة في جنوب ووسط العراق وبغداد.
ماهية عقوبة التجميد داخل التيار الصدري
وعقوبة “التجميد”، التي تتكرر في بيانات مكتب الصدر بين شهر وآخر، يقصد بها معاقبة الشخص المعني بمنع ممارسته أي أنشطة سياسية واجتماعية والظهور في وسائل الإعلام، وأيضاً إغلاق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تصل إلى حد ملازمته المنزل لعام أو أكثر، كما ظهر في بعض العقوبات التي طاولت قيادات في الجناح المسلح للتيار الصدري (سرايا السلام).ويعتبر مراقبون وسياسيون أن هذه العقوبة صفة يتفرد بها “التيار الصدري” بسبب عقائدية التكتل الذي تصدّر الانتخابات الأخيرة بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
تصل العقوبة إلى حد ملازمة المعَاقب المنزل لعام أو أكثر
والأسبوع الماضي، قرر الصدر “تجميد” العضو البارز في التيار الصدري يقظان اليعقوبي، وهو أحد المسؤولين في الهيئة الاقتصادية التابعة للتيار، مع أمر بتفرغه لـ”العبادة والدراسة الأكاديمية”، و”إغلاق كل منصات التواصل التابعة له فوراً”.وسبقت هذا القرار بفترة عملية تجميد مماثلة للشاعر المحسوب على “التيار الصدري” عباس عبد الحسين، بناءً على شكوى تقدمت بها الناشطة رنين تبوني إلى مقتدى الصدر، بسبب مهاجمة الأول لها. وكان القرار “تجميد لعام كامل قابل للتجديد، مع فرض الاعتكاف بالمنزل وعدم ممارسة أي نشاط آخر”.لكن في أكثر من مرة تمرد أحدهم على القرارات. ولعل أشهرهم القيادي السابق في “التيار الصدري” سعد سوار، الذي قرر بعد معاقبته في فترة سابقة تأسيس مليشيا “جيش المؤمل”، بعيداً عن “التيار الصدري”، والتي باتت لاحقاً من الفصائل المدعومة مالياً وعسكرياً من إيران. وأيضاً الشيخ أوس الخفاجي، الذي أسس مليشيا “أبو الفضل العباس”، بعد تجميده وتمرده على هذا القرار.
“التجميد” لا يعني الطرد من التيار الصدري
وحول ذلك، قال عضو بارز في “التيار الصدري” في بغداد، لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، إن “التجميد من العقوبات التأديبية التي لا يحق لأحد اتخاذها غير مقتدى الصدر نفسه”.وأضاف أنها “لا تعني الطرد من التيار الصدري، لأن التيار ليس حزباً يتعامل مع أنصاره كمنتسبين، بل هو تيار فكري وديني واجتماعي، لذلك يبقى المخالف لتعليمات الصدر صدرياً، لكن يُجرّد من عنوانه الوظيفي داخل التيار”.
ولفت المتحدث نفسه إلى أن “هناك حالات من التجميد لا تظهر للإعلام لأنها خاصة بعناصر سرايا السلام ممن يمارسون سلوكاً مرفوضاً أو فعلاً مشيناً، وتتمثل عادة بإلغاء عمل صاحب السلوك في الجناح العسكري للتيار، إلى حين الصفح عنه، الذي يصدر عن الصدر شخصياً، وهو ما يأخذ أحياناً وقتاً طويلاً”.
لا يحق لأحد اتخاذ عقوبة التجميد غير مقتدى الصدر نفسه
أسباب تجميد العضوية داخل التيار الصدري
وعن أسباب التجميد، أشار المصدر إلى أنها “مرتبطة عادة بالفساد المالي، أو استغلال النفوذ والسلطة والتحدث باسم التيار في قضايا شخصية، أو لأسباب أخلاقية، كأن تصدر عن بعض أعضاء التيار ألفاظ نابية أو تجاوزات على الآخرين أو اعتداءات أو المشاركة في إحداث شغب اجتماعي، وأبرزها المشاركة في النزاعات العشائرية المسلحة”.ولفت إلى أن “الصدر طبّق العقوبات على أشخاص مهمين في التيار، بينهم نواب في البرلمان وآخرون مقربون منه، مثل أبو دعاء العيساوي وعواد العوادي وغيرهما”.من جهته، قال الناشط السياسي الحالي والقيادي السابق في “التيار الصدري” غيث التميمي، في تعليق مقتضب لـ”العربي الجديد”، إن “أسلوب التجميد كان معمولاً به في حقبة المرجع محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر)، وقد خضع مقتدى الصدر نفسه إلى هذه العقوبة من والده ومنعه من دخول مكتبه الخاص”، وأضاف: “الخلاف بين مقتدى الصدر والشيخ علي صادق، مدير مكتب المرجع محمد الصدر في حياته، أشهر مثال على هذه العقوبة”.
انفراد التيار الصدري بعقوبة التجميد
بدوره، اعتبر العضو في “التيار الصدري” عن مدينة البصرة عمار الفتلاوي، أن “التيار أكثر القوى السياسية انضباطاً لوجود مبدأ الرقابة من الداخل لديه”.ولفت إلى أن “الصدر لا يستثني أحداً من العقوبة، فقد صدرت عقوبات بحق أقرب المقربين منه، بل إنه وجّه أتباعه في بعض الحالات إلى مقاطعة المعَاقبين إلى حين رفع العقوبة عنهم، وهي ميزة مهمة ليست موجودة لدى الأحزاب العراقية أو التيارات الدينية الأخرى في البلاد”.وتابع “لكن الصدر بطبيعة الحال لا يستغني عن أي عضو في التيار، ويتدخّل لمساعدتهم وحتى في قضايا علاجهم أو حل مشاكلهم ومشاكل أسرهم، وبإمكان أي عضو في التيار التوجه إلى الحنانة (منطقة في النجف يقع فيها منزل الصدر)، على عكس الوضع مع باقي زعماء الأحزاب والتيارات الأخرى، وهذا سبب آخر للتكافل بين أعضاء التيار وهي ميزة لا تتوفر عند غيره”.
الفتلاوي: الإجراء عقائدي أكثر من كونه سياسياً أو تنفيذياً
واعتبر الفتلاوي أن “التجميد مصطلح يختص به التيار الصدري دون غيره، والإجراء هو عقائدي أكثر من كونه سياسياً أو تنفيذياً، والدليل أن غالبية بيانات التجميد الخاصة بالمقربين تنتهي بدعوة المُعاقب إلى التوجه نحو العبادة، وعدم التدخل بالأمور الدنيوية”.بدوره، قال المحلل السياسي عبد الله الركابي إن “الصدر يتفرّد بكونه يسيطر على كامل تياره، على عكس غيره، حيث عادة ما تكون المسؤوليات الحزبية موزعة على عدد من القادة، ويكون للقادة رأي مسموع ولا يلتزمون الصمت في اللحظات المصيرية”أما مع التيار الصدري، فإن الوضع مختلف، لأن قادة التيار يخضعون وفق مبدأ الطاعة لزعيمهم، لذلك، فإن معظم قرارات الصدر تكون صادمة لقادة التيار قبل غيرهم من عامة الجماهير، لأنها تحمل أحياناً عنصر المفاجأة”.
وأوضح الركابي أن “التيار الصدري يختلف عن جميع الأحزاب العراقية، فهو تيار ديني سياسي اجتماعي، كما أنه يتعامل مع الصدر باعتباره زعيماً سياسياً وروحانياً ومن أصل ديني أصيل، ويتوجب تقديسه وتنفيذ طلباته والتزام الطاعة، وبالتالي فإن أي شخص ينتمي للتيار ويخالف الصدر، سيتعرض للتجميد والمعاقبة، لكن الصدر لا يستغني عنه إلى الأبد، وهذا ذكاء يغفل عنه باقي زعماء الأحزاب الذين يتعاملون وفق مبدأ الفصل من الحزب أو العزل أو إنهاء الخدمات بشكلٍ قطعي”.