يحدّثني صديق انه لكثرة الأخطاء الاملائية وغلبة الكتابة باللهجات العامية المختلفة في محادثات أو تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي، بات يطلبون منه الامتناع عن الكتابة باللغة العربية الفصيحة لأنّها تستعصي على فهمهم لها. وهذه ليست طرفة للتندر، وإنّما هي جزء من واقع ينتشر منذ عقدين من الزمان يكشف عن مدى الانحطاط التعليمي الأوليّ لملايين من الناس.
وسائل الاعلام المرئية خاصة، وأحياناً المكتوبة، تتعامل مع اللهجات العامية بوصفها المثال الأعلى، ولم يبق أمامنا إلا أن نجد الكتب في معرض الكتاب الدولي في بغداد أو أربيل أو عواصم عربية مكتوبة باللهجات العامية العراقية أو المصرية أو اللبنانية.
أصحاب وسائل الاعلام، يبررون ذلك بإنهم مضطرون للتعامل مع واقع ليسوا سبباً في وجوده، وانّما هو نتيجة انهيار مستويات التعليم والتربية في الدول العربية، وانهم لا يستطيعون اصلاح ما عجزت عن إصلاحه الحكومات، ومن ثمّ يذهبون الى التماشي مع مستويات المتلقين الضحلة.
التعليم الأساس هو السبب المباشر لهذا الانحدار، وغياب الدعم الكافي لجهاز التعليم في السنوات الست الأولى من حياة الانسان التي يتأسس عليها حب التعلم والتعلق بالمعارف على حسب خط صحيح.
وفي المراحل التعليمية اللاحقة ما قبل الجامعة، هناك نوع آخر من البناء لشخصية الانسان، على حسب طبيعة خياراته في التوجه نحو العلوم الإنسانية او العلوم الصرفة، او ما يسمى بالعلمي والأدبي. والجانبان يحتاجان إقامة علاقة مع الكتب التي لا تهتم كوادر التدريس بالتوجيه نحوها من دون انحيازات ضاغطة.
كنا نتمنى ان نشهد تنظيم رحلات علمية لطلبة الإعداديات لزيارة معارض الكتب الدولية التي تقام في بغداد أو أربيل. والرحلات العلمية جزء من التعليم والبناء الفكري، وقد كانت هناك تقاليد لبعض الأقسام العلمية في الجامعات وما ندر من الاعداديات في تنظيم زيارات للمتاحف والمواقع الاثارية القريبة في خلال ساعات الدوام او من تخصيص يوم منفرد.
التعليم في العراق يحتاج الى إعادة استباط خلاصات حب المعرفة وغرزها في النفوس، وعكس ذلك يعني اننا سنرى اكداسا من الخريجين على الورق، وهم لا يصلحون للحياة العملية في وظائف، حتى لو توافرت لهم فرص عمل، لأنهم لم يتلقوا العلوم والمعارف بطرق حديثة تتناسب مع ما حدث من تطور في العالم.
التعليم أساس وجود صحة وزراعة وصناعة وتجارة ورياضة جيدة، بل هو أساس السعادة والأمل