شراكة توازن توافق ، هذه الشعارات التي تطرح اليوم ، لحلّ الازمة السياسية التي طال غيابها ، كثيرا ما سمعناها في مراحل سابقة ، وبعد كل انتخابات ،هذه الشعارات وأن غابت عنها الوطنية كضامن اكيد للرغبة في الانتقال من مراحل توزيع السلطات على المكونات المذهبية والعرقية الى توكيد الوطنية في الاختيار والكفاءة والعمل المخلص الجاد ، إلا إنها شعارات مقبولة إذا لم تخرج عن محتوياتها .
الإحساس على تحول هذه الشعارات مثلما سبقها ، هو الإصرار على المكونية الطائفية والعرقية ، التي حكمت البلاد لأكثر من _ 19_ عاما ولم تنتج سوى التفرقة والضعف والتناقضات السياسية والتوقف عن البناء وحلول أزمات الشعب المتراكمة .
هذه الشعارات تكون مقبولة ، إذا ما كان الهدف منها ، هو دراسة الماضي الأليم ، والانتقال بإصرار الى نظام سلطة همومها مصلحة المواطن ، ورغبتها الأكيدة بعراق قوي محترم ، عبر نظام يتحكم بكل مفردات الانتقال الى البناء والتطور ، ومعالجة الأختناقات الشعبية بسبب تراكم الوضع المعيشي والاقتصادي ، والوقوف بجدية وحزم أمام الاختلالات في البنى التحتية في كافة المجالات الصحية والكهربائية والتربوية والزراعية ، هل من الممكن أن يتحقق ذلك ؟ وهل من الممكن أن تتنازل مختلف الأطراف السياسية عن انانية الاستحواذ على السلطة والمنافع وتتفق على صيغة مشتركة للجهد الوطني البناء؟.
المؤشرات القائمة لا تبشر بأن هناك تنازلات متقابلة ، بين الأطراف السياسية لمصلحة العراق وشعبه، فكل طرف يحسب الأمور بما يتفق له من تحقيق المكاسب ،على وفق النهج التوافقي المذهبي العرقي الذي شكل قاعدة عمل مختلف الوزارات السابقة ، وفرخت الفساد وضعف الدولة والتجاوز العنيد لكل مصالح الشعب ، بالإضافة الى جعل العراق مسرحاً للتدخلات الخارجية بكافة مدارسها .
الوضع العراقي الراهن لا يتحمل نكسات جديدة ، ولا هو قابل لحمل رغبات واهداف وسياسات قوى المذهبية والعرقية ، فالاتفاق بالعمل السياسي داخل السلطة أو خارجها عملية مشروعة ومستخدمة في العديد من دول العالم ، لكن تحول هذا الاتفاق على أساس طائفي وعرقي فأنه يصبح قوة مدمرة وطنيا للدولة ومؤسساتها ، ويسهل عمليا لتوزيع البلاد شعبيا على الانتماءات الطائفية ، وبالتالي يتوقف عمل المخلصين في الدولة لصالح طبقات الكسالى والنهابين وقليلي الحرص والانتماء للوطن .
المواطن لا يريد من الاطراف المتزعمة لقيادة السلطة في هذه المرحلة ، بعدم الاستكثار عليه بأهمية مراجعة فشل كل السلطات الماضية ، والعمل على الاتفاق بسلطة وطنية جامعة لكل فصائل المجتمع انطلاقا من الكفاءة ونظافة اليد والإخلاص الوطني . ويقينا فان كافة المكونات تمتلك مثل هذه الشخصيات .
مما لاشك فيه إن فكرة العودة لتوزيع السلطة ومؤسسات الدولة ، على أساس مذهبي وعرقي ، فأنه يعود بالبلاد للمربع الأول من خلافات وصراعات واتهامات ، ويكون الرابح من كل ذلك هم طبقات الفساد والهامشيين الذين صعدوا تحت عباءات المحاصصة ، وهذا الوضع سيجعل الحالة الشعبية اكثراً توثباً وفي حالة مواجهة مع سلطة النظام الجديدة .
لا تستكثروا على الشعب أهمية الخروج بسلطة وطنية ورئيس وزراء يمتلك خيارات تأليف حكومته من الشخصيات التي يرى فيها الكفاءة والإخلاص والهمة والشهامة الوطنية ، شخصيات عاملة في ميادينها وليست كسولة تستهوي تلقي الاوامر وكثرة المحيطين وأصحاب النوايا السيئة ، بهذا بالإمكان أن تتعزز قوة الدولة وتصبح مؤسساتها عاملة بما يتفق ومصلحة الانسان دون تمييز .
التنسيقي بعدما تصدر الأغلبية في مجلس النواب ، بعد استقالة نواب التيار الصدري ، يصبح الان وليس مما كان هو المسؤول بالدرجة الأولى لتشكيل سلطة وطنية من كافة مكونات الفصائل المجتمعية ، وعلى القوى السياسية المشاركة أن تدفع بشخصيات مرموقة قادرة لتجاوز المرحلة وان تشارك بفعالية عبر العمل المشترك لإعطاء رئيس الوزراء حرية الاختيار ، وإذا لم يتمكن التنسيقي الخروج من التشكيلات المذهبية الطائفية ، فأنه أمام اختيارين ، أما اللجوء لانتخابات مبكرة أخرى ، أو خسارة حضوره ووجوده ككيان سياسي . فالشعب لا يتحمل العودة للنظام والسلطة الفاشلة ، وبالتالي فأن عملية التناقض بين الشعب والنظام تصبح خارج السيطرة .