اظن ان عنوان هذا المقال غريب بعض الشيء ذلك لان الملك فيصل الاول رحمه كان ملكا على مملكة تاسست بعد سقوط الخلافة العثمانية,وجاء الى العراق من سوريا بحنكة رجل مقاتل,ومع الوقت اكتشف هذاالملك انه لم يفعل شيئا,وانه محبط تماما,وبعبارة ادق استطيع القول ان هذا الملك كان يشعر بانه كان يحارب طواحين هواء كما كان يفعل دون كيشوت ذلك الحالم بتغيير العالم.
نعم كان ذلك الملك الهاشمي منزعجا,ويحس بمرارة كبيرة لانه لم يستطع ان يحقق ما كان يتمناه.وقد يتساءل البعض كيف لي ان استنتج احكاما كالتي قلتها دون دليل تاريخي.وببساطة شديدة احيل القاريء الى رسالة الملك فيصل الاول التي نشرها عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريح العراق السياسي الحديث,وفي تلك الرسالة افرغ الملك فيصل الاول غضبه كله,وقال ما كان يحس به.كان صريحا جدا,وقد ودعنا بقسوة حين وصف العراقيين بانهم ليسوا شعبا وانما كتل بشرية.وبعد عقدين ونصف تنتقد الاميرة بديعة وهي باكية مقتل الملك فيصل الاول,وتعاتب العراقيين على ما ارتكبوه,وهي لا تعلم ان سيف السياسة لا يمثل الشعب في كثير من الاحيان.
كل ما قاله الملك في رسالته ما زال موجودا.تحدث عن الجهل,والميول والمذاهب والاديان وسطوة العشائر..كل هذه القيود كانت تكبل حركة الملك,وتشعره بانه ليس حرا.لذا كان حزينا مثل دون كيشوت.وفي رسالته الرائعة الشاكية كان هناك احساس بالفشل,والوحدة وسط وضع سياسي مقلق,ولا يمكن السيطرة عليه.ولعل اشارته الى السلاح المنتشر بين الناس اذ تملك الحكومة 15 الف بندقية في حين هناك مئة الف بندقية في ايدي.وهنا يعلق الملك على هذا الوضع بان هذا الامر لا يمكن ان يوجد في اية دولة من الدول. لذا لم ينجح الملك فيصل في مهمته.اخفق دون كيشوت في بناء دولة عصرية وهو المتحمس لهذا الامر,وقبل رحيله عن الدنيا كتب رسالته البليغة وهي بمثابة وصية سياسية خطيرة على جميع السياسيين اخذها بنظر الاعتبار.واذا اردت ان اخاطب روح الملك الراحل لقلت له في لحظة يأس:لم يتغير شيء في حياتنا ايها الملك الجليل.ما زال السلاح منتشرا,ولا احد يستطيع حصره في يد الدولة.كما ان الجهل ازداد وتفشى,وما زالت الصراعات الحزبية والميول السياسية تتحكم في العمل السياسي.الوضع ايها الملك الشريف ما زال كما تركته انت.فنم هادئا لان ما كنت تعاني منه لم يدفع سياسيا واحدا الى التبرؤ من هذا الواقع المرير.سياسيونا ايها الملك لا يشبهون دون كيشوت,وانما هم ابطال فرحون ومتيقنون انهم يخدمون الشعب المحروم من كل شيء.