نعش تحمله الرجال، ونسوة كثر، وهوسات تتغنى بحبه وتمجد كرمه وأمانته، طيلة حياته التي أفناها مع من يبحث في بواطن الأرض إرث من أجل أمجاد أمة طواها الزمن وعشعشت فوق ترابها أدران الماضي السحيق، تربة تختلف عن ترب العالم، فيها كنوز حضارة وتاريخ، أمة لم تلد مثلها أمة على وجه المعمورة، قف وتأمل … ليس التراب، بل الانسان معاً أعلنت رحيل اسماعيل، هذه الهوسات في أجمل أهازيج، النساء يبكين، والرجال يتغنون، والبنادق تتناغى مع بعضها معلنة رحيل ذلك الرجل الذي أفنى شبابه بين طيات التراب وجدران الملح والطين، وقوانين حمورابي وقيثارة عشتار والاناء النذري وفتاة الوركاء، أي بوح وأنت ترحل أيها الرجل وتترك خلفك تاريخاً وحكايات مثل كلكامش الذي ما زال يبحث عن سر الخلود، بالأمس وُلِدت بين حارات وجدران وأسوار بابل، وعانقت حمورابي ونبو خذ نصر، وسرت بقاربك الجميل في الفرات بين أمواجه التي تنساب بك لتصل بها إلى الوركاء وتحط الرحيل هناك، وتحمل فأسك ومعولك وتبحث مع الباحثين الذين جاءوا من أطراف برلين، يعرفون تاريخك ويسمعون بك يا اسماعيل، بيد أنهم لا يعرفون حقيقتك وكرمك وأمانتك، وجودك الذي تجود به بنفسك قبل المال، فما زال عقالك فوق رأسك منتصباً عالياً شامخاً، انهض يا اسماعيل، جاء زمن النهوض، انهض كعنقاء أزاحت عن ظهرها حمل السنين وغبار الزمن، احمل سيوفك البراقة وزح دياجير الظلم والظلام، انهض اسماعيل فان اس جاءت من برلين تناديك، تقول لك عدنا إلى أوروك، احمل فأسك معنا جئنا نجدد التاريخ معاً، اسماعيل أين أنت؟ هل غبت مع أجساد الغائبين؟ روحك وتمثالك معنا هنا في أوروك، رائحة المكان وقهوتك العربية التي ما زال هاون طحنها يطحن القلوب قبل أن نمضخها، اسماعيل أنت ما زلت حياً، روحك بيننا، وأنت الغائب الحاضر أيها الرجل، شمسك لن تغيب، اسماعيل لن نجد أمانتك واخلاصك، وسر وجودك فينا مشدود في معاصمنا وقلوبنا، انهض أيها البابلي، نحن أحوج لك اليوم قبل الأمس، فقدنا الكثير من آثارنا، اسماعيل أتعلم (ليث وشلغم وقاسم والوزير ناظم) كلهم ينادون: انهض أيها البابلي وأعد لنا التاريخ من جديد، أوقف لنا عجلة من يحملون آثارنا في طيات الظلام، ويسرقون أحلامنا وكتاباتنا وقصصنا التي كتبناها بكحل أعيننا، وثبتنا قلوبنا عليها برمال أوروك، اسماعيل لي رجاء عندك: أعد الزمن والأمانة والسخاء والكرم والشجاعة، واقدم لي مرة أخرى، ساعدني اسماعيل أرجوك كي أنهض من جديد، اسماعيل أتعلم إن آثارنا سرقت، والثيران المجنحة فجرت وهربت، ومعابد عشتار أكلها بارود الغزاة وطويت من جديد، وخربت خرائط نيبور وأنهارها جفت؟ اسماعيل أتعلم بالذي حصل؟ عد لي، ولو للحظة كي أعاتبك مرات ومرات، اسماعيل أتسمعني؟ أتسمع ما قلته لك؟ المتحف سرق وسرف الدبابات حطمت أسوار بابل والغزاة والدواعش نهبوا الحضارة؟ اسماعيل شاركني حزني أرجوك لا ترحل وتتركني وحيداً، ماركريت فان اس والتر واندريه عادوا مرة أخرى، علمني كل ما كنت تملكه كي أكون مثلك ومنك، علمني كي ترسم صورتي مثل صورتك وتحفر في جدران المعاهد والمدارس ويكتب عني ابني مثل ما كتب عنك ابنك، اسماعيل أتعلم انك أصبحت حكاية وقصة نفخر بها؟ الوزير المثقف حسن ناظم يكتب عنك، وليث مجيد حسين يرسل رسائلك على أثير المحبة، اسماعيل أجبني هل ما زالت بابل وأور والوركاء وكيش وآشور وأكد ونيبور تلد رجال مثلك؟ أجبني اسماعيل، أرجوك أجبني، أما زلت ضائعاً وخائفاً من مستقبل مجهول؟ أرجوك اسماعيل.