في احدى الايام البغدادية الجميلة , واثناء تواجدي قرب نهر دجلة للاستمتاع بمنظر غروب الشمس الذي احبه منذ الصغر لأنه يشعرني بالطمأنينة , رأيت بنت لا يتجاوز عمرها العشر سنوات بملابس رثة وتحمل سلة صغيرة بيديها الصغيرتان المتسختان فيها حلويات تبيعها على العوائل المتواجدة في هذا المكان الترفيهي , دار حوار بيني وبينها لدقيقتان وربما اقل من ذلك بثواني, لكنه اختصر معاناة بلد لسنوات طويلة, فبعد ان سألتها اتضح انها أُمية اي لم تلتحق بالمدرسة ابداً, بل تعمل لوقت متأخر من الليل لوحدها في هذا المكان تجمع الالاف القليلة لتعطيها لوالدها بعد عودتها للبيت ولم تذكر شيء عن والدتها ربما هي متوفية او منفصلة عن والدها, ولم اسألها عن تفاصيل اكثر لأن حالها اخرسني ,وبدأت اسأل نفسي بصمت, اليس من المفترض ان تكون هذه البنت بين افراد عائلتها و تحضر واجباتها المدرسية ليوم غداً, وتتناول العشاء الصحي لتنام مبكراً وتوقظها والدتها صباحاً لتذهب للمدرسة مرتدية الملابس الانيقة لتتعلم القراءة والكتابة وتلعب مع اصدقائها في الاستراحة وتشتري الحلويات من حانوت المدرسة , ومن ثم تعود للبيت منهكة وتتناول الغداء وتنال قسط من الراحة وبعدها تخرج مع والديها للتنزه في نفس المكان الذي رأيتها فيه, بدلاً من مراقبتها بحسرة للأطفال الذين يلتقطون صور مع عوائلهم للذكرى وهي وحيدة بلا أم ولا اب في هذا المكان سوى سلتها بيديها التي لم تتعود يوماً على مسك القلم لكتابة اي شيء حتى اسمها لا تعرف كتابته؟
السبب الوضع السياسي والامني المتأزم في البلاد الذي اثر على كل مفاصل الحياة منها الاقتصادية , اذ دفع الكثير من العوائل الى زج ابنائهم وبناتهم الصغار الى العمل في كل مكان وزمان دون الخوف عليهم من اصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون الفتيات اللواتي بعمر بائعة الحلويات , جنسياً بل حتى في تجارة المخدرات والاعضاء, فلا رقيب او حسيب على من يمارسون الافعال المناهضة شلحقوق الانسان بسبب ضعف تطبيق القانون الذي سببه الانظمة الدكتاتورية التي حكمت البلاد ودمرت القيّم الانسانية وسرقت حقوق هذه البنت واقرانها وانهكت قوى الشعب وزاد الجوع والمرض وفقد الاطفال ابسط حقوقهم التي كفلها الدستور والقوانين المحلية والدولية منها حق التعلم والتغذية التي تعتبر ابسط حقوق لأي فرد خاصة في بلدنا الغني بالثروات , ولو كان هناك اشخاص وطنيين حكموا العراق لما كان هذا مصير ابنتنا وغيرها من الاطفال الذين يزدحمون في الازقة والتقاطعات يتوسلون لهذا وذاك لمساعدتهم ولو بربع دينار عراقي, ولما شهدنا عمالة الاطفال وآخرين ينامون على الارصفة صيفاً وشتاءً بعضهم حفاة القدمين وبملابس متسخة وعيون متألمة فيها حزن وحسرة وتعب سنوات طويلة اكثر من اعمارهم بأضعاف , هذا حال الكثير من الاطفال لكن هذه البنت دفعتني لكتابة هذه السطور, كي لا اكون انانية وان كانت لدقائق قليلة وانا استمتع بمنظر غروب الشمس وهناك من حولي الكثير من القصص المؤلمة التي تحتاج اني اعطي اهتمام لها ولأمثالها وان كانت عن طريق الكتابة لأوصل معاناتهم لكل من يهمه الامر- ان كان هناك من يهمه امر اطفالنا من الجهات الرسمية في البلاد المنشغلين بتقاسم الكعكة التي لم يحصل الشعب منها حتى الفتات.