الفكر السُلطوي فلسفة تواتر عليه عُرفاً شعوب المنطقة والعراق قديماً ، يربط في ماهيته بين سطوة النفوذ والقوة كمفهوم موازي للدولة وهذه العلاقة الثنائية لا انفصال بينهما – الدال والمدلول – في مدركاتهم الفكرية والعقلية .
ان هيمنة الفكر السلطوي لا يعني بالضرورة احتكار معنى الحق والصواب بالمفهوم المطلق وإنما نسبية تخضع لتغيير البيئة والزمان والمكان وللعقل الواعي والفكر المنطقي للإنسان ، كما ان نقض الرأي الآخر والاحتجاج عليه ومحاولة الطعن فيه بغير تشهير او تجريح تُقيّمُها الأخلاق وتخضع لثقافة المجتمع والشعوب.
إن طابع العلاقة بين القبول وعدم القبول بين السلطة والمعارضة مبنية على الجدل الذي يكون دائماً بين ضدّين كلٌٌ حسب ادواته المعرفية وحججه الذي يجحد به فكر الطرف الاخر والقائم على مبدأ ” بذل الجهد لرفع الاكراه عن الناس ضد الظلم ” وتدافعهم بين لسان الحال ولسان المقال ، في خضم هذا التراشق والتنابز بين مترفي الدولة والمجتمع ( الزعامة و الممانعة ) تهوي كيان الدولة نحو الضياع والهباء و زوال المعرفة الوجودية لقيمة المواطنة والعراق يسير في هذا الاتجاه بخطى متسارعة .
يجب طرح الأفكار الوطنية الآمنة بعيداً عن التصادم والدعاية المضادة ، فالفكر الاقصائي فكر انتقائي غير واعٍ بُني على أسس عنصرية غير سليمة ، ويجب إعادة النظر فيه وتقييمه أخلاقيًا ، وكلما كانت الحرية بمفهومها الحقيقي الشامل متوفرة تكون المعرفة في ازديادٍ وتطور و تنوّعٍّ في الإصلاح ، إن الجدلية السائدة في فلسفة الحياة تاريخياً قائمة على الصراع الدائم بين الحق والباطل بين الوعي والوجود الموضوعي وبين الوهم المجرد التصوري ، يفصل فيه القيّم الإنسانية هذه القيّم هي التي تحدد شكل السلوك المتّبع في ثقافة أي جماعة او حركة تنادي بالحرية والعدالة والمساواة ، وتمهّد لخلق مساحة واسعة من الديمقراطية والتعبير عن الرأي وقبول الآخر وتقديم مناهج معرفة جديدة قابلة للتطور والتغيير تتمدد بتمدّن علوم المعرفة الإنسانية وإدراك الفرد لها ، وهو الأساس المبني عليه متلازمة التعددية وحقوق الانسان ، وغياب احدهما يؤدي الى خيبة أمل كبيرة وفشل الطروحات الإصلاحية لبنية الدولة القائمة شرطاً على أسس التعددية والتعايش السلمي وقبول الآخر ، هذا العجز يُنتج بالضرورة تسلُطاً فئوياً على مقدرات الوطن ( الدولة والمجتمع ) و تُقيّد حرية الافراد ( المواطنين) وظهور بوادر الإكراه القمعي والفساد الإداري – خلق معارضة مسلحة – و تحويل النمط الديمقراطي للحياة الى خرافة ينادي بها المتضادّيَن بإلغاء الطرف الآخر وتبادل التهم ونشر البغضاء ( لا تلبسوا الحق بالباطل) ، وتحجيمهم لوعي المواطن و دوره الفاعل في بناء الفهم الصحيح المشترك للحرية والديمقراطية لصيرورة الدولة يؤدي إلى نشر الكراهية و الفوضى وغياب مفهوم الهوية الوطنية و الانتماء الوطني للفرد .
و يستمر الصراع الأزلي بين فئة تتقن الحياة والأمان وأخرى تهوى القتال والفناء عاقبتها تجريد الوطن ( الدولة ) من رمزيته و قدسيته وتحويل المجتمع الى مجتمع افتراضي بعيد عن الواقع والقيّم الانسانية تكون الغلبة فيه لأصحاب النفوذ والفكر الضيق الغير ناضج و عديمة الخبرة تعجز عن امتلاك أدوات المعرفة الإنسانية و علوم الحياة لإيجاد السبل والحلول الكفيلة لتصحيح المسار والبناء السليم لبقاء الدولة وتطوّره .