‏نعم‭ ‬صدقتَ‭ ‬يا‭ ‬أستاذنا‭ ‬أبا‭ ‬الطيّب‭: ‬فالظلم‭ ‬مِن‭ ‬شيم‭ ‬النفوس‭.  ‬
‏أيْ‭ ‬والله‭. ‬فمنذ‭ ‬ألوف‭ ‬السنين‭ ‬لم‭ ‬يتغيَّر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬افترائهم‭ ‬على‭ ‬الناس‭. ‬وفي‭ ‬ظلمهم‭ ‬للناس‭. ‬فمن‭ ‬هو‭ ‬منافق‭ ‬وانتهازي،‭ ‬أو‭ ‬شريف‭ ‬ونبيل‭.‬‭ ‬هو‭ ‬هو‭. ‬لم‭ ‬يتغيَّر‭. ‬وسيبقى‭ ‬كذلك‭ ‬ألوفاً‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬السنين‭. ‬ولا‭ ‬حلَّ‭ ‬إلا‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭. ‬وربما‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬هناك‭
في‭ ‬رواية‭ “‬الأخوة‭ ‬كرامازوف‭” ‬للأديب‭ ‬الروسي‭ ‬الشهير‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬هناك‭ ‬حكاية‭ ‬ذات‭ ‬معنى‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬نزل‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬اشبيلية،‭ ‬وخرج‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬البيوت‭ ‬والكنائس‭ ‬يمشون‭ ‬وراءه‭. ‬فتضايق‭ ‬كاردينال‭ ‬المدينة‭ ‬ووقف‭ ‬أمامه‭ ‬قائلاً‭: ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬تنفيذ‭ ‬جميع‭ ‬تعاليمك‭. ‬فإمّا‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬أو‭ ‬أضعك‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬لأنك‭ ‬تخالف‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭!. ‬
‏قال‭: ‬أنا‭ ‬المسيح‭ ‬فكيف‭ ‬أخالف‭ ‬المسيح؟‭!.‬
‏تأمّلوا‭ ‬كيف‭ ‬يريد‭ ‬الكاردينال‭ ‬أن‭ ‬يحاكم‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بتهمة‭ ‬عدائه‭ ‬للمسيحية‭ ‬لأنها‭ ‬اختلفت‭ ‬مع‭ ‬مصالحه؟‭!.‬
‏والناس‭ ‬حكايتهم‭ ‬حكاية‭. ‬هم‭ ‬نبَّاشو‭ ‬القبور‭ ‬وعيونهم‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭. ‬إنْ‭ ‬وجدوا‭ ‬جمجمة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬اختلفوا‭ ‬عليها‭ ‬واحتفلوا‭ ‬بها‭. ‬إنهم‭ ‬كمن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬جنازة‭ ‬يشبع‭ ‬فيها‭ ‬لطماً‭.. ‬والمؤلف‭ ‬الإيطالي‭ ‬كازانوفا‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬مذكراته‭: ‬علَّمتني‭ ‬تجاربي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ليس‭ ‬أحقر‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬إلا‭ ‬الناس‭!‬‭.  ‬
‏وعندما‭ ‬سأل‭ ‬الخليفة‭ ‬المأمون‭ ‬العالم‭ ‬المعتزلي‭ ‬ثمامة‭ ‬بن‭ ‬الأشرس‭: ‬ما‭ ‬شرّ‭ ‬البلاء؟‭ ‬قال‭: ‬عالِمٌ‭ ‬يجري‭ ‬عليه‭ ‬حُكْمُ‭ ‬جاهل‭. ‬
‏وهذا‭ ‬الجاهل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬مفكرنا‭ ‬الكبير‭ ‬مصطفى‭ ‬محمود‭ ‬بالإلحاد‭ ‬بعد‭ ‬بنائه‭ ‬مسجداً‭ ‬ومركزاً‭ ‬طبياً‭ ‬لعلاج‭ ‬الفقراء،‭ ‬وتأليفه‭ ‬نحو‭ ‬تسعين‭ ‬كتاباً‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭. ‬يومها‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬الرقيق‭ ‬كامل‭ ‬الشناوي‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مصطفى‭ ‬ملحداً‭ ‬فإنه‭ ‬ملحدٌ‭ ‬على‭ ‬سجادة‭ ‬الصلاة‭!.‬
‏وهذا‭ ‬الجاهل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬اغتيال‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭. ‬فكفَّره‭ ‬المشدِّدون‭ ‬على‭ “‬أولاد‭ ‬حارتنا‭” ‬وزندقوه،‭ ‬واتهموه‭ ‬بالإلحاد،‭ ‬وطعنوه،‭ ‬وشلُّوا‭ ‬يده،‭ ‬وعطَّلوا‭ ‬سمعه‭. ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬المحقق‭ ‬المتهم‭: ‬هل‭ ‬قرأت‭ ‬رواية‭ ‬محفوظ‭ ‬لتغتاله؟‭ ‬كان‭ ‬جوابه‭: ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬الروايات‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الأصل‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬ولا‭ ‬يكتب‭!.‬
‏أذكر‭ ‬أن‭ ‬أستاذنا‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬الوردي‭ ‬روى‭ ‬لي‭ ‬حادثة‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬رجلاً‭ ‬اعتدى‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬لأنه‭ ‬عدَّه‭ ‬كافراً‭ ‬بسبب‭ ‬قوله،‭ ‬إن‭ ‬المطر‭ ‬من‭ ‬البخار،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كتاب‭ ‬طريف‭ ‬ظريف‭ ‬عنوانه‭: “‬السيف‭ ‬البتَّار‭ ‬على‭ ‬الكفار‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬المطر‭ ‬من‭ ‬البخار‭”!.‬
‏أمَّا‭ ‬شاعرنا‭ ‬الفيلسوف‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭ ‬فقد‭ ‬شتمه‭ ‬أهل‭ ‬عصره‭ ‬وسبُّوه،‭ ‬ولعنوه،‭ ‬وجعلوه‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الجحيم‭ ‬كما‭ ‬يروي‭ ‬لنا‭ ‬العقاد‭. ‬قال‭ ‬رجل‭ ‬وقد‭ ‬عثر‭ ‬به‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلب؟‭ ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭: ‬الكلب‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬للكلب‭ ‬سبعين‭ ‬اسماً‭!.‬
‏والناس‭ ‬لا‭ ‬ترحم‭. ‬ورحمة‭ ‬الله‭ ‬واسعة‭. ‬وأستاذهم‭ ‬في‭ ‬السفالة‭ ‬مكيافيلي‭ ‬صاحب‭ ‬نظرية‭: ‬الحياة‭ ‬بلا‭ ‬أخلاق‭. ‬فعندما‭ ‬مات‭ ‬نجل‭ ‬الأديب‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬ظهرت‭ ‬أرملته‭ ‬تفتري‭ ‬بالباطل‭ ‬وتقول‭ ‬كلاماً‭ ‬فاحشاً‭ ‬بلا‭ ‬حياء‭.. ‬والحكيم‭ ‬المسكين‭ ‬ساكت‭ ‬لا‭ ‬يتكلم‭.‬
‏ولا‭ ‬يوجد‭ ‬عذر‭ ‬واحد‭ ‬مقبول‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬الناس‭ ‬بهذه‭ ‬العداوة‭ ‬والقساوة‭ ‬والغل‭ ‬من‭  ‬الآخرين‭. ‬وفي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: “‬ويلٌ‭ ‬لكلِّ‭ ‬هُمَزَةٍ‭ ‬لُمَزَة‭” ‬أمَّا‭ ‬الهُمَزَة‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬العرب‭ ‬فمعناها‭ ‬المغتاب‭. ‬وأمَّا‭ ‬اللُمَزَة‭  ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يعيب‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويطعن‭ ‬في‭ ‬أعراضهم‭.. ‬وقبل‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬قال‭ ‬البدوي‭ ‬العاشق‭:‬
‏هنيئـاً‭ ‬مريئـاً‭ ‬غيـرَ‭ ‬داءِ‭ ‬مُخامـرٍ
‏لعزَّةَ‭ ‬من‭ ‬أعراضنا‭ ‬ما‭ ‬استَحلَّتِ
‏يُكلِّفُها‭ ‬الغَيـرانُ‭ ‬شتمي‭ ‬وما‭ ‬بها
‏هَواني‭ ‬ولكنْ‭ ‬للمليكِ‭ ‬استذلَّتِ
‏وقليلاً‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭.. ‬أيها‭ ‬الناس‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *