قيل في معاجم اللغة ان التفاهة اسم مصدره “تفه” ويشار بها للنقص في الأصالة والإبداع وقلة القيمة، وينصرف معناها لدناءة الشيء وحقارته.
تبعا لذلك يمكن وضع التفاهة ودلالاتها اعلاه، قبال الحقيقة والاصالة والتعقل والفهم والوعي، وغيرها من المعاني السامية، التي تخاطب الذات الإنسانية وتتعامل معها، وعلى ضوء تعاطي الفرد الإيجابي، وترويضه لتلك المضامين وتجسيد سلوكياته بما يخدم البشرية، يكون المعيار الذي يؤكد التفاضل المعنوي بين ابناء الجنس البشري.
لايمكن استيعاب الواقع العالمي، وتشخيص مصاديقه الاعتبارية او التافهة لعدة أسباب، منها ما يتعلق بمحدودية الإطلاع على ثقافات الأمم والشعوب، إضافة لتعاملها مع واقعها بقدر كاف من الرضا والقناعة، بالعقود الاجتماعية المتفق عليها بين الجماهير وأنضمتها الحاكمة.
مايهمنا هنا هو الشأن العراقي الذي يشهد زخما فوضويا، في تصدر التفاهة التي باتت تطفو على سطح الحدث الاجتماعي، كما تطفو النفايات فوق المياه الآسنة.
“للسوشيال ميديا” أثر كبير في بروز الذوات المغمورة إجتماعيا، وعرضها للواجهة بمحتواها الهزيل، دون الاكتراث للذوق العام والاعراف الإجتماعية والحشمة الإسرية.
قبل الدخول في تحديد مصاديق التفاهة، لابد بداية من تشخيص ضدها النوعي، كجانب معترف به ومتفق عليه إجتماعيا، من قبل الأسر المحافظة، وعدم تعارض اداءه مع الأعراف والتقاليد الاجتماعية، مع مراعاته للذوق العام.
بشكل مختصر يمكن الإشارة إلى الدين، كنظرية وسلوك وتقديمه كملاذ أخير للهاربين، من سطوة التفاهة وهيمنتها على مسرح الأحداث.
بعد تحديد المعيار الديني كمانع من تفشي داء التفاهة، تأتي مهمة البحث عن العوامل والأدوات التنفيذية، التي يمكن توظيفها لتحقيق الهدف، ومنها التنمية الاجتماعية في الجانب الأخلاقي والتربوي والتعليمي، وترسيخ مفهوم شرعية القيادة التي تمثل المرجعية الدينية بعدها الوحيد، لتكون جميع المخرجات الفاعلة التي برزت للمشهد برضا او بتوجيه المرجعية، هي محط إحترام جماهيرها، كالمؤسسات الخيرية والعتبات المقدسة والشعائر الحسينية والحشد الشعبي، وأي نزعة للتبعيض في تقبل مصداق والتشكيك بالأخرى، يعد قصورا في التفكير او ركونا دون وعي لمتبنيات التفاهة.
نعود بعد ذلك لنحدد مصاديق التفاهة، بناء على سلوكيات القائمين عليها، والداعمين لها.. تأتي التفاهة السياسية في طليعة المصاديق، كونها تشهد تناقضات تاريخية وصلت الى حد سفك الدماء، بين مختلف مسمياتها التي تقف اليوم موقفا واحدا، من المرجعية ومخرجاتها آنفة الذكر، فهل يعقل ان الشيوعية التي أبيدت على مشانق البعث، تتفق مع ذباحها لمواجهة عدو وهمي إسمه الشعائر الحسينية؟
أما التفاهة العلمانية فيمكن تحديد المستوى الثقافي لمدعيها، بعد سؤاله هل علمانيتك بكسر العين ام بفتحها؟.. ومع ذلك يجهد نفسه في السعي لتقويض السلطة الروحية، التي يمتلكها رجال الدين ويحتفل شامتا مع كل فوز يحققه الإرهاب ضد ابناء وطنه!
اما التفاهة الصنمية فهي التي تمكن من خلالها البعثي والشيوعي والطائفي، من استمالة أتباع بعض الرموز السياسية وتجنيدهم، ضد ابناء المذهب تحت شعار القومية، فاصبح ضحية البعث يردد شعاراتها، لينتقص من اخوته في العقيدة والدين والوطن، وهذا ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لغة السباب والتحريض ودفع ابناء البلد بعضهم ضد البعض الآخر، قائمة على قدم وساق برعاية بعثية وطائفية، بغطاء وطني تم تمريره على اذهان المغفلين، من أتباع بعض قيادات الصدفة، ليشكلوا رأيا عاما موحدا، ضد كل من يخالفهم ولا يتفق مع رؤيتهم لادارة الأمور في البلد، فأصبحت تهمة التبعية جاهزة، لمن لا يقول بقولهم ولا يتبنى طرحهم.
على سبيل المثال يغرد طائفي بعثي يقيم في تركيا، بكلام يسخر به من ثوابت الأكثرية الشيعية ومتبنياتها، فيرد عليه شيعي أبله بما يلاءم طرحه وينعته بكلمة استاذ.. وتعليق لعلماني يسخر من الحشد وقادته، وثالثة لشيوعي يتخذ من موضوع التغريدة، مناسبة للتهجم على الشعائر ويصفها باساليب التخلف، وبعده يأتي المدني الذي يكثر الشكوى من هيمنة وتدخل الدين بالسياسة، لتستشعر اثناء متابعتك لما يجري في المواقع، أن هنالك عقلا جمعيا يسير هؤلاء بإتجاه معين، ليشد بعضهم بعضا.. أو ليس من الأولى أن تكون لغة التآزر والتكاتف، لمن يدعون انتماؤهم لأمة الحشد والشعائر والمرجعية؟ التي هي بالتأكيد أمة الأصالة والحق والوعي؟ ألا يفترض بهم كمؤمنين ان يكونوا بوحدتهم مصداقا لقوله عليه وأله أفضل الصلوات، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا؟