كنتُ اتناول الغداء معكَ, على طاولة صغيرة فيها كلّ ما نشتهي, فيها كلّ ما تشتهي, حتى أجود النبيذ, مع كلّ قضمة كنتَ تعلم بأنّي أنظر إليكَ, أُشاهدكَ كيف تأكل بعفويّة, كأنّكَ في منزلكَ, حرفيّاً كنتَ في منزلكَ, معي.
لم تلتزم بعادات المائدة, لم تنحني لآداب الطعام, كنتَ تحترم كلّ لقمة كأنّها عشيقة أو صديقة, لربّما كنتَ حرّاً لأول مرّة في حياتكَ, لربّما لم يكن هناكَ من يزمجر لصوت لسانكَ و هو يداعب الطعام, لم يكن هناكَ من يمنعكَ من أن تلعق الطعام من شفتيكَ الحمراء, كان النبيذ يخجل من النزول لكأسكَ حتى لا يُحاول منافستها على من بينهم الأكثر حمرة و خمرة.
لنكسر هذا الحاجز يا يونس, لم تلبث في حوت هذا المجتمع لتخرج و تتناول الطعام معي فقط! , لقد خنتني مع حوت!, لبثت في قلبه سنيناً طوال و ها أنتَ هنا فقط تتناول الطعام؟ , بحريّة!, أ لم تكن حرّاً قبل أن تنذر نفسكَ لقطعة حوت بالية!, لتلك السمكة التي تأكل كلّ ما يأتي في طريقها, حتى الفضلات!.
أ تعلمين ما الفرق بيننا يا يونس؟ أنا كنتُ متصوفاً فيكِ و أنتِ كنتِ مزاجية العبادة, كنتِ تضجرين من أتفه الأمور التي حتى لا تُعد تفصيلة صغيرة!, عجبٌ لكائن يرى ذرة التراب تلك نقمة و هي من المكونات الأساسية للؤلؤة ثمينة!, حسناً كنتُ غير مبالٍ للمشاكل المتراكمة في حياتي و لكنّي كنت أنفثها مع سيجارتي خشيّة خسارتكِ!, كنتُ أُتفّه الأمور المستعصيّة لعلها تندثر تحت أقدام الدخان!, لم أكن أعلم يا يونس بأنّكِ سترحلين, ستركلين البحر الذي يحتويكِ لتدخلي في صلب الحوت بعيداً عني.
الأهم الآن بأنّكِ تأكلين, تأكلين قلبي على مائدة الغداء, نعم يا جميلتي يونس, هذا قلبي و تلك السلطة مكونّة من أيام عديدة قضيتها أحلم مجدداً بلقائكِ من جديد, حتى النبيذ, لقد قطّرته من بضعة دموع تحترق على وسادتي بإنتظاركِ, فداعبي قلبي بعناية تحت لسانكِ, هذه آخر قضمة, هذه آخر جلسة مع نبي لم يعرف معنى التوحيد.