في هذا اليوم من اوائل الخريف وانا في السيارة في طريقي لزيارة بيت عمتي في قريتنا التي تقع على ضفة نهر صغير.. وعلى الضفة الاخرى طريق معبد و رابية خضراء ويصل بين الضفتين جسر خشبي قديم …

 

شردت بافكاري وانا اتابع الطريق.. ومن خلال مذياع السيارة كانت فيروز تصدح بصوتها الملائكي

(نسيتُ من يده أن أستردّ يدي

طالَ السلامُ وطالت رَفَّةُ الهُدُبِ)

ماهذا؟

ماالذي يحدث لي؟

كلمات اغنية تحرك كل هذه الفوضى داخلي،

كنت قد بنيت داخل عقلي وقلبي اسوار عالية لكي انسى تلك القصة الغريبة التي جمعتنا صدفة.

 

ورجعت تعصف بي الذكريات العشوائية وتلف في راسي كاعصار…

والسيارة تسير بنا على الطريق المعبد على ضفة النهر.. هذا الطريق حيث كانت الحكايات والاسرار التي غزلتها تلك اللقاءات المختلسة من غفلة الزمن..

تذكرت صوت الناي الشجي الذي يعزفه ذلك الراعي وهو يرعى خرافه على تلك الرابية … وتاملت السماء فرأيت اسراب الطيور المهاجرة وهي تتجه نحو الجنوب استعدادا لفصل الشتاء.. كم حسدتها وتمنيت ان اطير معها واترك آلامي واحزاني على الارض …

كم مشينا على هذا الطريق كانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية الجميلة وتغمرنا بدفء شاعري … تباً لهذه الذكريات اللعينة لاتدعني وشأني وانا انظر لتلك الزهور البرية الجميلة بالوانها الزاهية على حافة النهر وتحت الجسر تذكرت اكليل الورد الذي صنعه لي ووضعه على رأسي ليخبرني باني اميرة قلبه المتوجة … سرحت بخيالي لاحتضن تلك العينين وقلبي يعصره الالم على ايام لن تعود ولن تتكرر..

وفي زحمة افكاري صحيت على صوت السائق وهو يخبرني باننا وصلنا الجسر الخشبي ولا تستطيع السيارة المرور فوقه.. ترجلت من السيارة وانا اسحب حقيبتي الصغيرة… وتقدمت بخطوة على هذا الخشب المهترئ لقد اعاد لي شريط الذكريات كل مواعيدي وقصصي القديمة تخيلت اني اسمع وقع خطواتنا ويدي في يده وصوت ضحكاتنا يملأ المكان بهجة وسرورا ..

ياايها الجسر القديم بينك وبين قلبي رباط روحي ، لانك كنت شاهد على تلك اللحظات الحلوة مع توأم روحي…

الان وانا اسير وحدي وقد اختفت تلك اللقاءات واختفى معها ذلك الحب وتناثر كفتات خبز تم رميه لدجاج المزرعة.

 

وسط صخب ذكرياتي تلمست باناملي قلادتي الذهبية التي نقش عليها اول حرفين من اسمينا.. لقد احتفظت بها رغم فراقنا ورغم اننا لن نعود كما كنا …

هذه الذكريات الحزينة تحكي لي الف حكاية  لقصة غرامنا الغريبة … كأنها تخبرني ان اوتار الحب تبقى متصلة مع روح الحبيب مهما باعد بيننا الزمن … تلك الذكريات كانها لحن آلة البزق الحزين الذي يُبكى كل من يسمعه بدموع الروح …تلك الذكريات الصماء تبقى مطمورة محفورة موضوعه في مكان خاص من جدران القلب….تبقى في صندوق الذكرى وان مضى عليها الزمن .. ولكنها صاخبة في الروح والمشاعر.

اوهم نفسي واقول : لعل الزمن سيكون العلاج الشافي لهذا الحب الذي ضاع بيني وبينه…

ولكن رحيلك الصامت كان الاجدى لي ولك…

 

اصبحت قريبة من بيت عمتي وجسمي لازال ينتفض وانفاسي متلاحقة، وانا الوم نفسي ماالذي اتى بي الى هذا المكان؟

وانا في غمرة افكاري سمعت صوت عمتي واقفة في باب البيت وهي ترحب بي فاتحة ذراعيها لاستقبالي..

نفضت غبار الذكريات ولملمت نفسي وانا اسرع الخطى لاسلم عليها بالاحضان والقبلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *