في ندوة علمية دعيت الى أعمالها حول الاصلاح التشريعي في العراق ، تحدث فيها اساتيذ أفاضل حول الحاجة للتطوير التشريعي وإحياء فكرة إصلاح النظام القانوني التي أسس لها النظام السابق وجند لها كبار اساتيذنا في القانون ، وقضاة مشهود لهم بالتأسيس لكبريات الأحكام ، فخرج بفكرة قانونية مؤسِسه اعتمادها المشرع بتفرعاته آنذاك ” مجلس قيادة الثورة ، رئيس الجمهورية ، المجلسالوطني ” ونجحت الفكرة حينها في تشييد المنظومة التشريعية الجديدة ، ربما لوحدة الهدف والسلطة الحاكمة لمؤسسات الدولة ، إذ ليس لسلطة التغريد خارج سرب الحاكم الفرد أو التجديف عكس اتجاهه ، وإلا فالعصا لمن عصا . وأنا أصغي بتمعن لما يتحدث به الفضلاء المحاضرون رحت استذكر تجربت سنون مجلس الوزراء ثم مجلس النواب فرئاسة الجمهورية ، حيث كانت كل سلطة تقترح وتحشد وتتصرف وكأنها تعمل في دولة مستقلة ، مجلس النواب يقترح ويناقش ويصوت دون الرجوع للحكومة لمعرفة حاجاتها التشريعية وهي المعنية بإدارة عجلة الدولة ، ومجلس وزراء يقترح ويناقش ويرسل المشروعات الى مجلس النواب ، فيمارس الأخير دوره التشريعي ، فيحول المقترح الى مشروع جديد يختلف تماماً عن ذلك المرسل اليه وكأنه أجنبي عنه مبدأ وفكرة ونص ، إذ يغني كل نائب على ليلاه ويُعمل ما يدور في خلده وفكره ، ويُشّرع ما يُرضي الناخب ويدغدغ صوته الانتخابي ولو على حساب الوطن ومستقبله ، وتُدلي رئاسة الجمهورية بدلوها التشريعي دون الرجوع للحكومة ، فيقترح المختصون فيها التشريع دون الاسترشاد والاستئناس برأي الحكومة وحاجاتها ، ويبقى مشروعها محكوم بأهواء المجلس النيابي فيُدخل عليه ما يرى من تعديلات ، وغالباً ما يخرج القانون بحله جديده لا صلة له بالمرسل من مشروع الا أسم القانون ، وكثيراً ما يطرأ التعديل حتى على أسبابه الموجبه ، واللافت أن السلطات الثلاث لم تتردد في التزاحم على اقتراح تشريع يدور في الفلك ذاته بل ويحمل الاسم نفسه ، وكل مقترح أو مشروع يناقض الآخر ، نصاً وتفصيلاً وتفريعاً ، واستذكر موقفاً لن يغادر ذاكرتي ونحن نناقش مشروع قانون مكافحة العنف الأسري ومن اجل توحيد الجهد وترتيب الأفكار وخدمة الأسرة وتقديم قانون يواجه واقعاً الظاهرة المتنامية الدخيلة على المجتمع العراقي ، دعونا ونحن نضع اللمسات النهائية للمشروع ، أخت فاضلة من إحدى السلطات تعمل على فكرة المشروع ذاته ، واذا بفخامة الرئيس يطلب حضوري فأستئذنت اللجنة وحضرت أمامه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامه عريضه فبادر بسؤالي هل تناقشون اليوم مشروع قانون العنف الأسري ، فأجبت نعم ، فرد أن الرئيس …………اتصل بي وبيّن انهم انتهوا من إعداد مشروع القانون الذي يعملون عليه ، فبادرت بسؤاله وكيف عرف الرئيس اننا ننتهي اليوم من المشروع ونحن في الجلسة ، فاجاب ضاحكاً يبدو أن معكم في اللجنة من سرب مجريات الاجتماع ، فاستذكرت حضور الأخت الفاضلة ويبدو أنها حضرت للتسريب لا للترصين ، فتيقنت اننا دول وليس دولة ، اذ تستقل كل سلطة بمشروعها ومقترحها وقانونها ، ويحدثونك عن الاصلاح التشريعي وتكامل السلطات ووحدة الفكرة القانونية ، ويسألونك عن قصور التشريع وتناقضه وفراغه في الكثير من الأحيان ، واللافت أن مجلس النواب ولإثبات جدارته باحتكار التشريع وأحقيته بالاختصاص ، وتجاوزاً لحق رئاسة الجمهورية في ابداء الملاحظات والتصويبات على التشريع قبل دخول احكامه حيز النفاذ ، راح يختتم تصويتاته على القانون بنص مفاده نفاذ التشريع من تاريخ التصويت عليه لا من تاريخ نشره ، مخالفاً المبادىء والمفاهيم والثوابت التي تتبانى على نفاذ التشريع من تاريخ النشر بقصد علم الكافة ، مستغلاً لا مستثمراً نص المادة “129” من الدستور التي تجيز نفاذ التشريع استثناءً وللضرورات من التاريخ الذي يحدده المشرع ، فقلب مجلسنا الأصل استثناء والاستثناء أصل ، ولتأكيد تفوقه على باقي السلطات سعى الى انتزاع صلاحية نشر التشريعات في الجريدة الرسمية ، عملاً بمبدأ يأكل ويقول عوافي ، ويحدثونك عن الانسجام السلطوي ، ووحدة الهدف ، والسعي لتقديم الخدمة ، ويسألونك عن فرط التشريع ، وتفشي ظاهرة التعديل ، وكثرة التغيير ، وعجز الملاحقة ، وكل سلطة تغني على ليلاها ، وتتفرد بالدوران في فلكها وتختار مسارها ، محكومة بعقلية الفرد ، ورأي الطائفة ، وكثيراً من الأحيان المصلحة الشخصية ، ويسألونك عن ارتفاع معدلات البطالة ، وازدياد الفقر ، وتفشي الظواهر الدخيلة ، والإفلات من العقاب ، وضياع المسؤولية ، فقبل محاسبة الموظف المقصر لابد من محاسبة من غرد من السلطات لمصلحة أو مفسدة أو رغبة في تفرد، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، وهي زائلة راحلة والدولة قائمة .