ليس هنالك شخص لا يتمنى أنْ يكون ديكتاتوراً، فالديكتاتورية سحر وحرية وسلطة مطلقة لا متعة بعدها، من أجمل مكاسبها أنَّ ما تراه يراه الشعب وما تقوله يقوله الوطن، تخطط وتنفذ وتأمر وتَنهي، بيدِك المُلْك تقرّب من تشاء وتبعدُ من تشاء، تحارِب دون عقاب، وتُتنفق دون حساب،

فما من سياسي حتّى في أعرق الديمقراطيات الغربية يعجبه أنْ يعترض عليه أحد ويوقف مشاريعه ويدحض حججه ويحاسبه على أخطائه ويحوّلها من أخطاء إلى جنايات تنهي تاريخه السياسي وحضوره الاجتماعي، بل حتّى الذين ذكر التاريخ أنّهم استقالوا أو تنازلوا فإنما هم في حقيقتهم هزموا واستسلموا للقانون والديمقراطية وقيم المجتمع وسلطات الدولة الأخرى ولم يكونوا ملائكة، ينتحرون لأنّهم أخطأوا.

فالديكتاتورية، هذا النظام الهمجي الموروث من سلطة الوحوش والغابات بتواطؤ مع المشعوذين الذين أشاعوا أنَّ الملوك أبناء الله يحكمون باسمه ومعصيتهم معصية له، جعلت من بشر عاديين لا امتياز لهم لا في تجنب الموت ولا في الصبر على جوع ولا في نظام الفضلات أو المناعة من المرض وتقدّم السنّ جعلت منهم آلهة، وصوّر لهم المنافقون أنّهم خالدون وأن سلطة الله بأيديهم، وهو ما عُرِف في أوربا العصور الوسطى بمفهوم أو نظرية (حقّ الملوك الإلهي) التي تنصّ على “أن الرب يمنح سلطته للحاكم وأن عصيانه ذنب بحقّ الله، وليس لأي قوة أرضية أن تنازعه في حقّه الإلهي، كما لا يحقّ للمحكومين محاكمة الملك ومقاضاته فهذا من شؤون الله”، ليظل الإنسان العادي مندهشاً من جبروت وفخامة أولئك السفاحين الخراتيت الذين خضعت لفؤوسهم وسياطهم الآفاق وجُزّت على أقدامهم الرقاب، حتّى ثار عليهم المجانين وغيروا التاريخ وكنسوا زبالة النصوص والخرافات التي ألّهت البشر وأسبغت عليهم منزلة القداسة ونزّهتهم عن الأخطاء من خلال مراحل التنوير وقوة العقل والمنطق والقانون ونظريات الإدارة والحكم والحقوق المدنية عبر ثورات خالدة شهدها النصف الثاني من القرن السابع عشر في بريطانيا وفرنسا وأمريكا، أنهت تماماً سلطة الحاكم الأوحد بأمر الله.
إرث الشعوب الحرة هذا هو الذي أنتج القيود والضوابط والقوانين التي جعلت من الحاكم موظفاً كبيراً محاطاً بالاختبارات والتحقق المستمر من مهارته وسيرته ومراقبة هفواته.

الديمقراطية وحكم الشعوب لأنفسها وإدارة شؤونها، حصادُ دماء الناس وثورات الأحرار ضد الطغاة، وليس هبة من الحكام وتواضعاً منهم، بعد أنْ قضت أوربا على المشعوذين الذين سرقوا الثروات باسم الدين وحررت الناس من استعبادهم، وأصبح الدين لله والوطن للجميع، وجعلت من أحفاد الملوك والكهنة، تحفاً فنية للتصوير، ومتاحفَ للذاكرة، وفعالياتهم العائلية إعلانات لتنشيط السياحة في البلاد.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *