في بيوت المحبة والإنسانية تكون التربية مختلفةً عن غيرها،مختلفة عن بيوت الفسوق والفجور والاعتداء علی حرمات الناس!! لذا فالفرق شاسع بين صورة الإخوة وتمظاهراتها بين البيوت الأولی والبيوت الأخری!
فالأولی بيوت يتمنی جبرئيل(ع) زيارتها والمكوث فيها،والثانية تفر السكينة والرحمة من رائحتها الملطخة بعرق الجواري والخمرة ودمـ.اء الأبرياء!
في الأولی تجد الإخوة بصورتها الإنسانية،إيثار وتضحية وتفان وإخلاص وصدق!!
أما البيوت الثانية فلاقيمة للإخوة فيها،فتجد التنافس علی الدنيا،والتآمر بين الإخوة،وتجد مكائدهم فيما بينهم،وتخطيطهم ضد بعضهم، وكل واحد منهم قد حمل حجر قابيل معه في حياته!!
البيوت الأولی هي البيوت العلوية الفاطمية،والبيوت الأخری هي البيوت العباسية!!
هنا إخوة الرحمن التي يحبها الله،وهنا إخوة الشيطان التي يبغضها الله!!
اذن تعالوا مع هذا الأخ الكريم الذي حركه إيمانه بإمام زمانه قبل أن تحركه الروابط الاجتماعية بينه وبين والده أو بينه وبين أخيه!!
هذا الشاب العلوي الذي خرج من مدينته غريبا، لايدري هل تقطعه الدروب أم هو الذي سيقطعها!! يمشي والتسليم لله يتقدمه،يمشي والإيمان بقضيته يقوده!! يمشي ويدفن سره في صدره!!
غريبٌ تمشّط عيناه وجوه المارة! من معنا ومن علينا؟
أين ستثبت قدمي الغريبة؟
إنه الآن في العراق وثمة صور مشوشة في ذهنه، وثمة جاذبية نحوه،ومازال يمشي ويمشي يبحث عن لحظة يباشر فيها مسؤوليته ورسالته!!
اليوم وصل قريةً تسمی (باخمری) وهو غريب فيها، ومازال يبحث عن رسائل الأمان في كل الوجوه،وبين الأشجار والثمار والنخيل والماء العذب!!
وقف جانبا حين رأی فتاتين قرب الماء، وكانتا تتحدثان عن أمر ما، وفجأة قالت إحداهما وهي تقسم: لا،وحق صاحب بيعة الغدير!!
وحين سمع قسمها هبطت السكينة عليه،وحل الأمن والأمل!!
تقدم وسلّم بكل أدب طالبا منها أن ترشده إلی سيد القرية،فقالت: حسنا… اتبعني
وحين تقدمته،خجل أن يری خطواتها أمامه، فقال لها: سأمشي أمامك وأرشديني!
فإذا بهذه الفتاة هي ابنة سيد القرية وشيخها!
مرت الأيام سريعا والخير قد عمّ في هذه القرية،مرت الأيام وسيد القبيلة تأخذه الحيرة والدهشة من صفات هذا الشاب!
خلق وكرم ومروءة وشجاعة، هذا الشاب الغريب فارس ومقاتل شرس، حمی القرية حين هاجمها السارقون!
تری من هو؟ وماسره؟
سأله شيخ القبيلة وقال له : اعذرني لن أجيب، لا أستطيع الإجابة!!
ومع ذلك أصر الشيخ أن يزوجه إحدی بناته، وحين أخبره بالأمر وأخبره عن ضرورة زواجه واستقراره في باخمری، قال له الشاب: إذن زوجني التي أقسمت بصاحب بيعة الغدير!
يبدو أن قسمها بالغدير الذي بعث في روحه الأمان والأمل مازال حيا،مازال يثمر حبا،فالغدير المحمدي العلوي شجرة الحب والأمان والسكينة، غدير البدايات الواضحة،فلا رماديات مع الغدير!!
ولاخوف ولاغدر ولاجدب ولاعطش!!
غديرنا أبدي أخضر،ودرع واقية، وعباءة حنطية!!
تزوج الشاب،وصار بيته عامرا،وزيّنته طفلةٌ قادمة من عالم الغدير، أسماها “فاطمة”
فاطمة التي تحملت مع والدها ثقل المسؤولية!!
ويبدو أنها نالت من اسمها نصيبا وافرا !!
تلك الطفلة الملكوتية كانت تعود أحيانا باكية؛لأن الأطفال يعيرونها بقولهم: ابنة الغريب!!
وحين جاءت النهاية الحتمية الكاشفة،قال الأب لجد ابنته: خذها لبيتنا ياعم،ستعرفه هي لوحدها… إنها لرشيدة!!
ـ أين بيتها ومن أنت ياولدي؟
ـ أنا القاسم بن الإمام موسی بن جعفر، وبيتنا في مدينة رسول الله ياعم!!
وهكذا وصلت فاطمة الرشيدة الی حيها، وأرشدها إلی بيت والدها العطر القادم من الغديـــــــــــر الأول!
إنها فاطمة ابنة القاسم الذي حمی إمامة أخيه الرضا(ع) بروحه وهويته وكيانه.