ربما يكون العنوان أعلاه غريباً بعض الشيء لكني أراه مناسباً ودقيقاً لوصف شكل هجين من أشكال الحكومات العراقية، “الحكومة اللقيطة” واضح من عنوانها إنها حكومة مجهولة النسب والهوية السياسي، هي لا يعرف لها آباء محددون يكونون مسؤولين عنها وعن رعايتها، هي حكومة بزرت في رحم البرلمان في خلوة سياسية وساعة شهوة للسلطة والمال، هي نزوة سياسية، في العادة تولد الحكومة اللقيطة بحضور كل آبائها وعادة ما تكون الولادة عسيرة جداً وقد لا تتم إلا بحضور فريق جراحي أجنبي متخصص. لكن بعد الولادة سيختفي هذا الجمع من الآباء وسرعان ما سيتبرأ منها الجميع لأنها لقيطة ولا أحد يرغب في تحمل مسؤولية حكومة لقيطة خوفا من الفضيحة!.
رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزراء جميعهم أو بعضهم قد يكونون أيضا لقطاء سياسياً عندما لا يكونون قادة حقيقيين متجذرين في المجتمع وفاعلين في تنظيماتهم السياسية أو عندما لا يجد أحداً منهم كتلة برلمانية يرأسها أو ينتمي لها إنتماءً تنظيمياً حقيقي. في العراق ورغم الفشل المتكرر لكن للأسف الشديد هنالك رغبة لدى بعض الكتل السياسية في تقديم حكومات لقيطة يكون رئيسها و أعضاؤها من اللقطاء سياسياً، يأتون بهم تارة تحت عنوان مستقلين وأخرى تحت عنوان تكنوقراط وبالنتيجة فالمراد من هكذا خيارات هو إضعاف إرادة الحكومة وتحويلها إلى حكومة تابعة في قراراتها إلى قادة الكتل والأحزاب التي منحتها الشرعية، ثم بقيت ممسكة بمقبض سحب الثقة عنها كوسيلة للابتزاز.
خلال الأسبوع الجاري تشابكت العواجل بين بغداد وأربيل حول أسماء المرشحين لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وانشغلت المحطات والأوساط النخبوية في تحليل نقاط القوة والضعف بين هذه الشخصية وتلك. في الواقع إن الفروقات البينية بين هذه الشخصية وتلك غير مهمة بقدر أهمية المعادلة السياسية التي سيترشح عنها هذان الرئيسان، التجربة في العراق غنية بشواهد وأحداث تجعلنا لا نهتم لشخص الرئيس بقدر الاهتمام بالتفاهمات والتوافقات التي تأتي به، فما قيمة أن تفضي الحوارات إلى ترشيح شخصية سياسية تتميز بصفات جيدة لكنها مقيدة ومكبلة باتفاقيات وتعهدات سياسية تجعل من شخص الرئيس ضعيفاً ومقصراً في مسؤولياته، وإذا تمرد على القيود التي تكبل عمله رفع الغطاء عنه وترك وحيداً يواجه مصيره أمام الشعب والتأريخ.
في الديمقراطية العراقية، تعلمنا من التجارب السابقة قبل أن نبحث في سيرة المرشح وما يحمله من برنامج، علينا أن نفتش في تفاصيل التوليفة السياسية التي ترشح رئيس الوزراء وتصوت على حكومته وترعاها وتكون سندها وظهيرها في البرلمان، وهل يا ترى هذه التوليفة منسجمة فيما بينها وتجتمع أطرافها على رؤى مشتركة تتمثل ببرنامج الحكومة أم هي توليفة شهوة سياسية تنتهي وتتلاشى بعد الحصول على مبتغاها من الحكومة؟، وهل للمرشح فيها دور في صياغة تلك التوليفة أم لا يعدو دوره كونه مرشحاً عنها (أشبه برئيس وزراء مستأجر من قبل كتل سياسية)؟، الجواب على هذه الأسئلة سيحدد عمر الحكومة ومقدرتها على إحداث فارق مرض في الأداء.
في الختام أوجه خطابي إلى قادة القوى السياسية الشيعية؛ المرحلة القادمة مرحلة حرجة وصعبة جداً، هي آخر فرصكم في إنعاش النظام الحالي، شارعكم مخاصم لكم، الأغلبية الشيعية صامتة ومقاطعة ومعترضة وممتعضة، لذلك من أهم مهام رئيس الوزراء القادم هو ترميم العلاقة بين السلطة والشعب وخصوصاً في المحافظات الجنوبية المضحية في سبيل إقامة هذا النظام والمضحية في سبيل الحفاظ عليه وإصلاحه، فإن لم تتمكنوا من تقديم قائد حقيقي يتمتع بمؤهلات القيادة الشخصية والسياسية، وتؤثرون على مصالحكم الشخصية والحزبية فلا تلومون أحداً غداً إن لم تحسنوا الاختيار اليوم.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *