منذ الأيام الأولى لدخول قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى العراق وإسقاطها لنظام صدام، ترددت على ألسن البعض مقولة ” الذين جاءوا على ظهر الدبابة ” في تلميح للطبقة السياسية، التي تصدت للمشهد بعد هروب رأس النظام البعثي وأعوانه..
بداية لابد من تشخيص البيئة التي إنطلقت منها تلك العبارة، ومن ثم نشير إلى بعض المساحات، التي تمتاز بقصور الفهم وقلة الإدراك، من الذين أخذوا يرددونها تماشيا مع المزاج، الذي لا يرى للتغيير اي منفعة للشعب بعد زوال البعث.
أيضا لا بد من التأكيد على ان مناقشة اي ظاهرة من الظواهر، لا يعني التأييد والدفاع عن الفئة المستهدفة، وهو ليس بالضرورة تنزيها لمن حل محل سلطة البعث، بقدر ما هو إنعكاس لشعور فرد عراقي عاش المحنتين، الصدامية وماتلاها.. ولسان حاله يقول “المطرت والصحت شمحصل العاكول”
من يتابع التركيز على الضخ الإعلامي لترسيخ هذا المفهوم، يخيل إليه أن تلك الدبابة ومن جاء على ظهرها “ان صح ذلك” قد أفسدوا هناء المواطن بعيشه الرغيد في ظل النظام السابق، الذي مكنه من ان يصبح سيدا في بلده وله حرية التعبير عن رأيه، وتبني مختلف الأفكار، في بلد تسوده قيم العدالة الضامنة لمختلف الحقوق الفردية والجماعية..
ناهيك عن التوزيع العادل للثروة، التي اصبحت فيما بعد نهبا على أيدي سراق العهد الجديد.
إذا كان ذلك من اهم مزايا العهد البعثي، فإن الواجب يحتم على جميع العراقيين لعن الحظ، الذي جعل بلدهم فريسة بين الامم، بعد ان كان مصانا في زمن الوفرة البعثية!
من الطبيعي ان تقف حواضن الفكر البعثي، الممتدة على مساحة الوطن وداعميه، بالضد من عملية الخلاص من سطوته لأسباب عدة، يدخل بضمنها البعد القومي والطائفي والمزاج النفعي، وعليه يمكن القول أنها البؤرة المثالية لاطلاق هذا المفهوم..
بعض السذج من الذين يتحكم بهم سلوك المحاكاة والتقليد الأعمى، إرتفع لديه هرمون الوطنية، واخذ بتبني هذا الخطاب، الذي أسس للشعور بالكراهية تجاه الواقع، الذي حل بديلا عن صدام وبضمنه الطبقة المتصدية.
إذن فحديثنا هنا يتعلق بتناول تلك الفئة، من قبل المعترضين على عملية التغيير، ولا يهمنا التطرق لدول الإحتلال وقواتها، الذين يجمع العراقيون على رفض تواجدهم على أرض الرافدين، ويتفق الجميع على إدانة جرائمهم بحق أبناء الشعب..
من المؤكد ان اي عملية تغييرية، تستوجب بديلا يدير شؤون البلاد، لفترة انتقالية ريثما يتمكن أبناء البلد، من ترتيب أوضاعهم، بغية الأتفاق على شكل النظام السياسي، الذي تكون للشعب كلمته في رسم ملامحه.
بما أن سياسة النظام السابق، إعتمدت على تهميش قطاعات واسعة من ابناء الشعب، وإلغاء فكرة التعددية، وكان نظام الحزب الواحد، هو المعتمد في إدارة الدولة، فمن الطبيعي ان تكون الساحة خالية، من اي حراك سياسي داخلي، في الأيام الأولى بعد زواله، وعليه كانت حساسية المرحلة تفرض تصدي البديل المؤقت، الذي كان لاقطاب المعارضة العراقية، حصة الأسد في تمثيل ما أطلق عليه في حينه مجلس الحكم الانتقالي.
هذا المجلس تكون من عدة اشخاص عراقيين، بعضهم عارض نظام البعث وفضل الهجرة إلى الخارج، بسبب بطش النظام وعدم إيمانه بشي يسمى معارضة، والبعض الآخر ينتمي لعائلات أرستقراطية تربطها مصالح شخصية، مع بعض الأطراف الإقليمية والغربية، لكن تزامن دخول بعضهم، مع دخول الجيوش الغازية، ما ولد إنطباعا لدى كثيرين، بأنهم جاؤا على ظهر الدبابة.
أيا ما يكن فإن التمسك بترديد تلك العبارة، هو هروب من الواقع المخيب للآمال، الذي وصلت اليه العملية السياسية، التي تشكلت أعقاب الاطاحة بصدام، وإلا فبإمكان الشعب فرز هؤلاء العملاء، لو صح التعبير ومعاقبتهم، عن طريق الصندوق الانتخابي بعدم التصويت لقوائمهم، وابعادهم عن المشهد، خصوصا وان العراق محكوم بقوانين واعراف دستورية، تضمن حرية الإختيار والتصويت.
عليه فإن تفشي هذا الخطاب، في اوساط الجيل الذي، لم يعاصر حقبة البعث ويتذوق مرارتها، ما هو الا إنعكاس لسطحية الفهم من جهة، ونجاح دعاة النفس القومي والبعثي، في إستغفال ذوي الإدراك المحدود من ابنائنا، وترسيخ فكرة مفادها مثالية النمط الصدامي، في ادارة الحكم.. وليتهم علموا انه لولا عملية التغيير، التي جاءت بفعل الدبابة، لكنا نتصور ان هذا جهاز الموبايل، الذي نكتب به ونشتم هذا ونلعن ذلك، ويتفيقه بعض من لايرى أبعد من أرنبة أنفه، ما هو إلا اسطورة، وضرب من ضروب الخيال العلمي، الذي كنا نشاهده في الأفلام، التي تعرضها شاشة تلفزيون الشباب التابع لأبن صدام الكسيح.. وليتهم علموا انه لو كان صدام حيا، لكان هناك ثلاثون مليون مواطن، قد ثرمت اجسادهم في معتقلات البعث، بجريمة التعبير عن أفكارهم الذي يعتبرها، نظام صدام تآمرية على الحزب والثورة!
.
قيل قديما أنك لتنجح في إشاعة الكراهية، فهناك فنون ووسائل، وهذا أحدها.. وطالما أزهقت ارواحا بريئة بسبب هكذا خطابات، ليس لسبب معقول انما لتعارض افكارهم، مع متبنيات القتلة والسفاحين، وخير مثال على ذلك ما أشاعه البعض، عن رموز المعارضة سابقا على الرغم من دخوله البلاد، برفقة حراسه ومعاونيه، دون أن يسجل اي متابع وجودا لدبابة أو غيرها، ليكون بعدها هدفا سهلا لنفر ضال، أثر في قناعتهم هذا الخطاب ليرتكبوا جريمتهم بقتله