في المدينة التي لا يرقى وصفها الى قرية ، مع انها كانت تعج بمختلف الجنسيات الأوربية والأسيوية والافريقية عربية وأجنبية ، لإحداث صناعة للسيارات والماكنات الزراعية ، الا ان تلك الصناعة الواعدة سرعان ما غلب عليها الطابع العسكري . في ناحية الاسكندرية جنوب بغداد عثرت صدفة الى جانب مرمى لكرة القدم على كتاب بلا غلاف ، وما ان تصفحته حتى استهوتني حكايته واسلوبه المشوق لفتى للتو اختط شاربه ومازال لم يغادر طور المراهقة ، فواصلت قراءة ذلك الكتاب الذي عرفت لاحقا انه رواية للكاتب الكبير احسان عبد القدوس ابن الصحفية اللبنانية المولد والتركية الأصل صاحبة مجلة روز اليوسف التي رأس تحريرها الابن بعد الأم ، ليطل من خلالها على السياسة لينتهي كاتبا رومانسيا مخالفا في القضايا التي طرحها لأبناء جيله ، ويفتح شهية صناع السينما ، لتتحول الكثير من قصصه الى افلام سينمائية.

رومانسية رواية ( لا أنام ) التي غاص كاتبها في عوالم فتاة ملائكية الجمال ، او هكذا تخيلتها قبل أن يجسدها الفيلم الذي أخرجه الفنان صلاح ابو سيف بشخصية فاتن حمامة عام 1957 يشدها حب جارف لأبيها الذي انفصل عن والدتها وهي ابنة السنتين ، لتتحول مشاعر الحب الى غيرة وحقد وانتقام من كل امرأة تدخل الى عوالم أبيها وخصوصا تلك التي قرر الزواج منها ، لقد حرمني البناء الميلو درامي للرواية من النوم ، فبعد أن توجه الأهل الى الفراش بعد انتهاء البث التلفزيوني عند منتصف الليل ، عاودت القراءة وانتهيت منها مع التباشير الأولى للصباح ، أتوقف لحظة لأتأمل واخرى يسرح بي الخيال بعيدا .

الليلة الوحيدة في حياتي التي أسهر فيها حتى الصباح ، ربما تسألوني : ما الذي ذكّرك بتلك الرواية التي تجسدت أيضا في مسلسل من بطولة نورا وعمر الحريري عام 1977 ذكرني بها شباب اليوم الذين تحّول ليلهم مع مواقع التواصل الاجتماعي الى نهار ونهارهم الى الليل ، يتناولون فطورهم الصباحي عند الساعة الواحدة ظهرا ، واحيانا تلقي عليهم تحية ( صباح الخير ) هازئا عند عودتك من العمل. غالبية شبابنا لا ينامون الا عند مطلع الفجر ، فيذهبون الى مدارسهم وكلياتهم والنعاس باد عليهم ، لا يستطيعون التركيز والتذكر ، اما اذا كانوا في العطلة الصيفية فلذلك كلام آخر ، ومن يستيقظ في هذه الأوقات لا أظنه قادرا على القيام بأي عمل ، وهكذا هي حال العاطلين . لا يمكن لنوم النهار أن يعوض عن نوم الليل ، بدلالة ما جاء في القرآن الكريم ( وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً ، وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً)، وقد أخذت الكثير من الدول ذلك بالحسبان قبل ظهور الانترنيت ، تُغلق المحال والمولات أبوابها في الساعة العاشرة ليلا ، وما بين اغلاق الأسواق وانتصاف الليل ساعات معدودة للترفيه والتسلية ، لأن في الصباح عمل ودراسة ، ولابد للجسد أخذ قسط من الراحة قبل التهيؤ لليوم التالي.

بالتأكيد ليس الشباب وحدهم مسؤولين عما يحدث ، انما البيئة التي يعيشون فيها سبب في ذلك ، لدى الشباب وقت فراغ طويل ، ولا سيما العاطلين منهم ، ومع انعدام قنوات الترفيه والتسلية كالمسارح والسينمات وقاعات الموسيقى والمتنزهات العامة لم يبق سوى الانترنيت للاستغراق فيه وتبديد جل الوقت ، وما أدراك ما وقت الفراغ ؟ لو يعلم السياسيون ما يفعله ، لواصلوا الليل بالنهار لخلق فرص عمل ، بالانفجار ينتهي وقت الفراغ ، ولا أكثر تدميرا من نيرانه وشظاياه ، كما ان المدرسة ليست بالجدية الحقيقة التي تجعل الطالب قلقا وخائفا مما سيتعرض له في الصف عندما لا يحضّر واجباته ، فيترك الانترنيت وينشغل بدروسه ويتجنب السهر . ربما يلعنني البعض ان تساءلت : هل من سبيل فني لتقنين خدمة الانترنيت ليلا من دون التأثير على المصالح العامة ، وسيرد الغاضبون علّي بالقول : هكذا هو العالم من حولنا ، لكن العالم أقلنا بطالة وأكثرنا جدية في العمل والمدرسة. أرجو ألا ينام المسؤولون والآباء ملء الأجفان ، بينما الخراب يتراكم ، كخراب الشباب في الكوفيات .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *