صحبني احد الاصدقاء الى ” علوة الاسماك ” الرئيسة في بغداد ، وهي المكان ربما الوحيد الذي يورد الاسماك الحية الى العاصمة ، وعند زيارتي لعلوة الرشيد ، وهذا اسمها الرسمي ، اكتشفتُ ان صديقي مغرم بتناول السمك بشكل كبير ، وانه يأتي الى العلوة باستمرار لشراء ما يرغب بسعر مناسب (سعر الجملة ) وسبب اصراره على ان ارافقه ، هو الاطلاع على معاناة العاملين في هذه العلوة … فأذعنت لإصراره ، طالما ان فيها مادة صحفية تهم قطاعا وشريحة واسعة من المواطنين .
ومع انبلاج صباح امس ، كانت سيارة الصديق تنطلق باتجاه هذه العلوة الواقعة عند تخوم بغداد من جهة شارع بغداد / الحلة .. كان في ظني اني سأجد في مدخل العلوة ، زحاما شديدا ، وسيارات محملة بالأسماك تسيل منها المياه ، آتية من الاحواض والانهر، لكني فوجئت بوجود عدد ضئيل لا يتعدى اربع او خمس سيارات ، مع وجود عدد كبير من العمال واصحاب المكاتب الذين يشكلون قاعدة هذه العلوة ، عيونهم ترنو بشغف الى الداخلين الى العلوة ..!
ملاحظتي ، نقلتها الى صديقي ، فلم يجب ، لكن ما ان شاهد احد اصحاب المكاتب ، حتى بادر بالسلام عليه ، ثم قدمني اليه ، ورجاه ان يجيب على ملاحظتي ، قال الرجل ، بكلام يعتريه الياس ، ان هذه العلوة تعتبر اهم مكان في بغداد ، لبيع الاسماك ، ومنه تنطلق الاسماك بمختلف انواعها الى منافذ البيع بالمفرد ، ومن ثم الى البيوت والمطاعم .. وكنا قبل نحو سنة او اكثر نستقبل يوميا منذ الساعة الثالثة فجرا حتى الساعة التاسعة مساءً افواج من السيارات ، وامام كل مكتب كانت تقف ثلاث او اربع سيارات ، وكل سيارة محملة بطن او اكثر من الاسماك ، علما ان في العلوة ما يقرب من 18 مكتبا ، وعليك معرفة عدد الاطنان اليومية التي كانت تصلنا ، ومن ثم نبيعها .. بينما اليوم تدخل الى العلوة نحو اربعة او خمسة اطنان فقط ، ونحتار في تسويقها .. لقد انتهت العلوة !
وحين سألته عن اسباب هذا التدني ، اوضح بمرارة ، ان قلة ورود الاسماك الى العلوة ، هو فقدان الدعم الحكومي لأحواض ومزارع الاسماك ، فالكثير من اصحابها اغلقها او تركها ، بعد ان زاد سعر الطن الواحد من الاعلاف من خمسمائة الف دينار الى مليون وربع المليون دولار ، كما تم منع وصول المياه عن هذه الاحواض ، بسبب الظروف المائية الحالية .. وبالنسبة لنا ، كقطاع اداري في العلوة نشكو قلة او بالأخرى انقطاع انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وايضا ضعف ماء الاسالة ، وكما تعرف نحن نعتمد على الاحواض البلاستيكية الملآى بالمياه لتدويرها كهربائيا ، سواء من الوطنية او المولدات من اجل ان تبقى الاسماك حية ، وكل ذلك جعل الكلفة تزداد ، وانعكس ذلك على المواطن حيث ارتفت اسعار بيع الاسماك ، فابتعد عنها المواطن مرغما ، رغم حبه لتناول السمك .. لقد اصبح للنخبة .. فقط
ولم ادع صاحب المكتب ان يكمل ، فقد بانت المعاناة .. شكرته ، وقفلت راجعا مع صديقي الذي اشترى كمية مناسبة من الاسماك تكفيه شهرا.. وسطوري هذه ، هي برسم الجهات المختصة ، ولاسيما وزارة الزراعة .. لكني اشك في اتخاذ اي اجراء يدعم هذا القطاع ، وان خوفي يزداد بان يأتي زمنا لا نجد فيه اسماك عراقية حية.. فقط المستورد المجمد امامنا !