لا يحتاج الامر الى كثير شجاعة للاعتراف بأن الطرف المعني بتشكيل الحكومة قد فشل حتى الان بتحقيق ذلك.
لا يتطلب الامر منك ان تكون مؤيدا او معارضا لأي طرف لكي ترى هذه الحقيقة. والحقيقة واضحة، فقد مرت تسعة اشهر وعربة تشكيل الحكومة بموجب المادة ٧٦ من الدستور متوقفة. وهذه ليست المرة الاولى. فقد اصبح تأخر تشكيل الحكومات عادة متبعة لدى الطبقة السياسية. واذا كان في التجربة علم مستأنف كما يقول الامام علي فان العلم الذي استفدناه من تجارب تشكيل الحكومات السابقة هو ان الطبقة السياسية غير قادرة على تشكيل حكوماتها طبقا للاليات الدستورية المنصوص عليها. لست بحاجة الى ذكر الاسباب، لكن “التيار” انسحب من الحياة السياسية تاركا مسألة تشكيل “حكومة الاغلبية الوطنية” كما كان يأمل، فيما لا يزال “الاطار” يتعثر بمسألة تشكيل “الحكومة التوافقية” رغم البيانات التطمينية. خلاصة الموقف ان الطرفين الاساسيين المعنيين بتشكيل الحكومة حسب نظام المحاصصة المقيت ليسا قادرين على الخروج من عنق الزجاجة، وهذا هو ما يُعرف بالانسداد السياسي، وهو عدم استطاعة الطبقة السياسية انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ضمن التوقيتات الدستورية المذكورة وخاصة المادة ٧٦.
سوف يقول البعض ان هذه ليست المرة الاولى. وهذا صحيح كما قلت قبل لحظات. لكن تكرار نفس الحالة بعد كل انتخابات عامة يشير الى وجود خلل عميق ينبغي علاجه. وهذا هو “العلم المستأنف”، اي علم مستخرج من التجربة الواقعية. ولا يتحقق العلاج دون تعديل في طريقة او الية ترشيح رئيس الوزراء. الطريقة المتبعة تعتمد على فكرة “الكتلة النيابية الاكثر عددا”، وهي الفكرة الواردة في المادة ٧٦ من الدستور. وقد اتضح بالتجربة العراقية، وكما هو معروف في دول اخرى، ان عبارة “الكتلة النيابية الاكثر عددا” ناقصة، وغير مكتملة. وما ينقصها هو تحديد العدد المطلوب لقيام “الكتلة النيابية الاكثر عددا”، كأن نقول هي الكتلة التي تملك ٥١٪ من العدد الكلي لمقاعد البرلمان. وسوف يقال انه لا توجد كتلة سياسية قادرة على تأمين هذا العدد. وهذا صحيح، وسببه التشرذم الحزبي الكبير الذي يحول دون انبثاق حزب كبير يملك اغلبية النصف زائد واحد. اما حكاية “المستقلون” فغير واقعية، ولم تسفر الانتخابات الاخيرة عن وجود عدد من النواب المستقلين الذين يحتلون نصف مقاعد البرلمان زائدا واحد. وهذا الامر برمته يحتاج الى تعديلات دستورية وقانونية، وتعديلات في العقلية السياسية الحاكمة لسنا نجد وقتا كافيا لها حاليا.
واذاً، وللخروج من الانسداد السياسي ، نحتاج الى سلوك طريق غير مطروق سابقا، دون ارتكاب مخالفة دستورية ولا يحتاج الى تعديلات دستورية او قانونية.
وقد طرحت معالم هذا الطريق غير المطروق في مقالات سابقة. ويعتمد اقتراحي على فكرة افتراضية وهي اعتبار مجموعة النواب الشيعة كلهم “الكتلة النيابية الاكثر عددا”. وهذه الكتلة الافتراضية تمثل الاغلبية المطلقة في مجلس النواب.
وبما ان الدستور لم يحدد طريقة اختيار المرشح من قبل “الكتلة النيابية الاكثر عددا”، فاننا يمكن ان نقترح طريقة مبتكرة وهي ان يدعو النواب الشيعة بوصفهم الاعتباري والافتراضي “الكتلة النيابية الاكثر عددا” الاشخاصَ الراغبين ممن تتوفر فيهم الشروط الدستورية، والكفاءة الذاتية اضافة الى حصولهم على دعم ٤٠ نائبا لكل واحد منهم الى الترشيح للمنصب. ويخضع كل المتقدمين الى التصفيات بالتصويت التسقيطي التدريجي، بحذف من لا يحصل على ٥٠٪ من الاصوات، الى ان تسفر العملية عن بقاء مرشحين اثنين فقط. وفي المرحلة الاخيرة يفوز احدهما بالترشيح اذا تفوق على صاحبه بعدد الاصوات. بعد ذلك تجري عملية التكليف حسب السياق الدستوري المعروف.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *