قبل سنوات عدة، كنت أحد المشاركين في مؤتمر عُقد في الدار البيضاء بالمغرب عن حق الحصول على المعلومات، وقدم عدد من الإعلاميين تجاربهم في بلدان عربية مختلفة إزاء هذه الإشكالية المستمرة بين الاعلام والحكومات. كان هناك صحافي من اليمن اتحفظ على اسمه كوني لا أعرف ظروفه اليوم في بلد الحروب والتحولات والمصاعب، تحدث بحماس منتقداً إجراءات الحزب الحاكم آنذاك بزعامة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقد كان في وقتها في السلطة، وكانت مشاركة الصحفي اليمني نقلا عالي المستوى في التشخيص والحلول المقترحة لحرية الاعلام والانفتاح الحكومي. وحين التقيته على العشاء، قلت له انّ من الطبيعي ان يقدم صحفي مثلك من حزب معارض هذه الاطروحة الناقدة لإجراءات الحكومة وحزب آخر، فكانت المفاجأة ان قال لي ببساطة انه عضو في حزب علي عبد الله صالح وليس في حزب آخر.
لا ادري ماهي دوافعه، إن كانت شخصية او انشقاقية او إصلاحية، فتلك من النيات الكامنة في صدر أي شخص، لكن الظاهر من كلامه انه كان يتحدث عن مشروع يمني وأفكار تنحاز لوطنه قبل كل شيء .
الحادثة الصغيرة هذه التي طوتها الأيام، استدعتها ذاكرتي وانا اشهد في العراق أو في بلدان العرب الأخرى أحيانا انّ هناك تجاذبات وتصنيفات قسرية توضع على الشخصيات التي لها رأي مخالف لحزب او حكومة، فتقوم جهات مقابلة بتصنيف صاحب الرأي بالمضاد والمعارض واحياناً بالعدو الواجب الخلاص منه، في حين انّ الحقيقة هي انه الرجل يقدم أفكارا لنهضة بلده قد تلتقي مع حزب او جماعة أو زعيم حيناً وقد تتعارض مع منهجهم أحياناً، من دون ان تكون الدوافع كامنة في الشخصنة والتصنيف القسري التي يفترضها ويفرضها الآخرون. لا أبالغ اذا قلت انّ هناك وسائل اعلام عالمية تلفزيونية واذاعية أيضاً تتعامل مع أصحاب الرأي الخاص بحسب تصنيف انّ فلاناً معارض لحكومة بلده لمجرد انه انتقدها في مسار معين من دون الالتفات الى انّ صاحب الرأي سبق انه قال آراء أخرى تلتقي مع رؤى حكومية كانت ناجحة ومفيدة. هذا التقنين في التوصيفات ضد أي مسار ديمقراطي حتى لو كان البلد عريقاً في الديمقراطية