من الضروري ان يعي الناس ويدركوا ان النظام السياسي الحالي في العراق لم يعد نظاما ديمقراطيا، ولا نظاما برلمانيا، انما هو نظام تحكّم القلة من الاشخاص بمقدرات البلد السياسية والاقتصادية والمالية. ومما يزيد الطين بلّه ان عددا من هؤلاء الاشخاص غير منتخبين وانما يمارسون سلطتهم استنادا الى مصادر قوة غير الانتخابات.
لدينا دستور لكنه مخترق، لدينا انتخابات لكنها فقدت قيمتها، لدينا مجلس نواب لكنه مشلول ومعطّل. وبالنتيجة فان كل ركائز النظام الديمقراطي البرلماني لم يعد لها وجود فاعل.
يتحكم هذا العدد القليل من الرجال (لا داعي لذكر اسمائهم) بمجريات الحياة ومفاصل الدولة، وبخاصة فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية واختيار رئيس مجلس الوزراء. ملء هذين المنصبين الشاغرين يتطلب اتفاق القلة المتحكمة على اسمين. ويدور هؤلاء الرجال قليلو العدد داخل حلقة مغلقة من الخلافات الحزبية والطموحات الشخصية تحول بينهم وبين الاتفاق. والاتفاق يتطلب العثور على شخص ضعيف يمكن ان يكوم العوبة بايدي هؤلاء الرجال. وهذا مطلب قد يصعب تحقيقه لانه يتطلب شخصا يمكن ان يلعب عليه الجميع دون ان “يخربط الملعب” احد اللاعبين. وما دام الاتفاق متعذرا فان الدولة سوف تبقى معطلة ومشلولة. ومع تعطل الدولة تبقى كل ازماتها ومشكلاتها دون حل في وقت يغرق العالم كله في بحر الازمات الامر الذي يتطلب حكومة تجيد السباحة في هذا البحر، وليس شخصا يرقص مع الافاعي. وفي وقت يستمر فيه الفساد والفقر والبطالة وتردي الخدمات وسعر الصرف المجحف.
لا يبالي هؤلاء الرجال القليلون بهذه الحالة لاسباب شتى في مقدمتها خمول الشعب او فئة المحكومين وانشغالهم بامور جزئية لايمكن حلها في بلد بدون حكومة لمدة تسعة اشهر.
تمثل هذه الحالة ارتدادا جذريا عن الديمقراطية وانحرافا كبيرا عن النظام البرلماني واستهتارا معيبا بقوت الشعب وحياته.
اثبتت الاشهر الماضية ان هؤلاء الرجال غير قادرين تشكيل السلطة التنفيذية بشخصي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ويمكن الانتظار اشهرا اخرى لنزداد قناعةً بهذا القول، لكن اطالة فترة الانتظار مكلفة وذات ثمن عال، والشعب هو الذي سوف يدفع هذه الكلفة بمزيد من المعاناة في مختلف المجالات وعلى مختلف المستويات.
في هذه الاثناء اخذت مجموعات من الناس تفقد الثقة بالديمقراطية عامة والنظام البرلماني خاصة، فيما استسلم اخرون الى اليأس، بينما مازال طرف ثالث يتطلع الى “المستبد العادل” او”الانقلاب العسكري” او “التدخل الخارجي”. وهي خيارات غير نافعة ولا تمثلا حلا للمشكلة وخروجا من الازمة.
الحل الوحيد المتوفر الان، بشروط عدم مخالفة الدستور وعدم الحاجة الى تعديله وعدم النكوص عن الديمقراطية، هو ما اقترحته من قيام النواب الشيعة، باعتبارهم افتراضيا الكتلة البرلمانية للمكون الذي ينتسب اليه رئيس الوزراء حسب العرف السياسي السائد حاليا، بفتح باب الترشيح لكل من يجد في نفسه الكفاءة وتتوفر فيه الشروط الدستورية لترشيح نفسه للمنصب بشرط حصوله مسبقا على دعم ٤٠ نائبا.
ثم يقوم النواب الشيعة باجراء عمليات تصويت على مراحل متعددة لاجراء تصفيات لاسماء المرشحين على طريقة المباريات الرياضية بين الفرق المتعددة. ويخرج من السباق كل من يفشل في الحصول على ٥٠٪ من اصوات النواب الشيعة الى ان يسفر التصويت المتتالي عن بقاء شخصين فقط حيث يجري التصويت الاخير لاختيار احدهما. بعد ذلك يتم تقديم اسم المرشح الفائز وتكليفه حسب السياقات الدستورية المعتمدة.
يحتاج هذا المقترح-الحل الى تحرك نيابي ودعم شعبي لاجبار القلة المتحكمة بالقبول به والخضوع لارادة النواب والشعب في نفس الوقت.
هذا اضعف الايمان واقل الحلول كلفة.