لو تصفحنا ما كتبناه على مدى العقود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى , لتبين أن كلمة إستعمار الأكثر حضورا فيه , وإقتربنا منها بحذر وتوجس وما واجهنا أنفسنا بشجاعة , وقدرة على التحدي الفعال اللازم لإنجاز تطلعات الأجيال.
ومضينا على ذات الشاكلة , وعشنا في دوامات نظريات المؤامرة , التي إمتطتها أنظمة الحكم المسلطة على وجودنا , ورهنتنا بها.
ولا زلنا نتحدث عن المؤامرة , وكأن الدنيا نزهة آمنة , على سواحل الخيال الخلاب , وتناسينا الذئاب والوحوش السابغة المتأهبة للإنقضاض على فرائسها , أينما تحين الفرص.
والواقع الذي ننكره , أن دول الأمة مستعمرات للقوى التي إنتصرت في الحربين العالميتين , ولا توجد دولة كاملة السيادة وقادرة على تقرير مصيرها لوحدها , فأنظمة الحكم معظمها خاضعة للأسياد , وتساهم في تحقيق مصالحهم وتأمين أهدافهم على حساب الشعوب , وما يعتريها من الحرمان والقهر والهوان.
فدول الأمة عاشت القرن العشرين مرهونة , ومكبلة بإرادة مصالح القوى الكبرى , ولا تزال العديد منها تحت رحمة القوى العالمية والإقليمية , ويتضح ذلك في المآلات التي وصلت إليها في مسيرتها التي بددت الثروات.
والدليل أنها لا تستطيع إطعام نفسها , وعاجزة عن صناعة أسلحتها , وتعتمد في حياتها على غيرها , ومَن يعتمد على الآخرين في بقائه لا يكون كامل السيادة , لأن ما سيأتيه منهم مقرون بإملاءات وشروط , فلا توجد مساعدات مجانية في دنيا الغاب الدولية.
ومن عجائب القرن الحادي والعشرين , ظاهرة الإستعمار بالدين , بعد أن تحول إلى مطية للنيل من الشعوب وقهرها ورهنها بالسمع والطاعة , والتمتع بالتراصف في صفوف القطعان المدججة عاطفيا , والمؤججة إنفعاليا لتأمين تجارة الدين.
إن عدم الإقرار بأننا دول مستعمرة وتابعة لهذه القوة أو تلك , تسبب بتداعيات خسرانية متكررة , إستهلكت طاقات الأجيال ورمت بهم في أتون الويلات والحروب العبثية , والتفاعلات العدوانية البينية التي يساهم في إضرامها الطامعون بالبلاد والعباد.
فعلينا أن نكون واقعين وجريئين ونعترف بعدم سيادتنا وتبعيتنا , وعلينا أن نبرهن عكس ذلك بالعمل الجاد المبين , لا بالخطب الرنانة الخالية من الفعل الصادق الرصين.
فهل لنا أن نكون , وننفض غبار الوهم والتضليل؟