أود قبل كل شئ أن أبين للجميع أن ما يحدث اليوم على الساحة السياسية هو بالضبط ما حدث في 30 تموز عام 1968، حيث انقلب البعث آنذاك على النايف والداود بعملية انقلابية بسيطة بعد غداء عمل حضره النايف أدت به لأن يكون منفيا خارج العراق كزميله الداود وزير الدفاع الموفد بحيلة بعثية آنذاك إلى الاردن لتفتيش القطعات العراقية المتواجدة هناك للعمل ضد الاعتداءات الإسرائيلية ، فقادة انقلاب 17 تموز من البعثيين وبعد ثلاثة عشر يوما فقط انقلبوا على حلفائهم قادة انقلاب 17 تموز من القوميين ، انقلاب وسط انقلاب ، لم تمنع الجميع المبادئ القومية المشتركة ، فقد تجاوزت لا بل طغت الأنا البعثية على العقيدة القومية المشتركة ، واليوم تعاد ذات التجربة ولكن بين الاسلاميين ، فقد تقدمت الأنا الحزبية للأطراف الشيعية وأخذ كل منهم ينقلب على الاخر بعملية دراماتيكية محفوفة بالمخاطر ، ولا يجد الباحث السياسي أي تبرير للانقلاب والانقلاب المضاد إلا حب الزعامة والتسلط ، أي أن السياسي العراقي لا توقفه مواثيق أو تحالفات أمام نزوعه الذاتي المجرد ، فبعد أن تعاهد احمد حسن البكر وصدام حسين نيابة عن البعث مع عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداود نيابة عن القوميين على المضي بتنفيذ الانقلاب على الفريق عبد الرحمن عارف ، كان البعث يعد العدة للانقلاب على الشركاء لينفرد وحده بالسلطة ، وبرغم الفارق بين الحالتين ، إلا أن الروح الانقلابية المتجذرة ظلت حتى في ظل الديمقراطية هي عامل الفصل بين الحلفاء ، ولو عاد أي منا لقائمة التحالف الوطني الشيعي في مستهل العملية الديمقراطية لوجدها قائمة تحالف آلية التكوين بسبب وحدة المرجعبة والعقيدة وتألف الأطراف ، ما بالها انفصلت بالتقادم وتشرذمت متشظئة إلى فرق متصارعة يريد كل منها السؤ بالآخر ، ولو أن الأمر كان مقتصرا عليها كاطراف سياسية لهانت المسألة ، إلا أنها أطراف دينية باتت تعود لمرجعيات مختلفة وبنوايا ولأهداف هي الأخرى مختلفة ، ولها قواعد ليس من مصلحة أحد أن تكون مختلفة .
أن شهر تموز في العراق لا يثير التعجب والاستغراب فقط ، إنما يشير الى حرارة المواقف وسرعة الانفعال ويكشف بسرعة النوايا دون الأخذ بنظر الاعتبار تلك الحقيقة الأزلية التي مفادها ، أن أي كتلة أو أي حزب مهما بلغت شعبيته وقوته ، لا يمكن كما يقول موريس ديفرجيه ممثلا لعموم الشعب ، أو أن يكون بديلا عنه في اتخاذ قرارات قد تضر بهذا الشعب أو تلك الأمة .
أن الانقلاب الحقيقي على الأوضاع الراهنة يجب أن لا يأخذ بأسلوب ونهج طغمة تموز ، بل بأسلوب الانقلاب الناعم وذلك عن طريق اتباع الآليات الدستورية بفتح الانسداد السياسي القائم عن طريق حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة مستعجلة . فقد ولت آلية انقلاب البعض على البعض الآخر لأنها تؤدي إلى عمليات فيها رد فعل وانتقام وهذا عمل غير مشروع لا بل حرام والحليم تكفيه أشار. الإبهام…