بغض النظر عن التوصيف الإجناسي لسرودها , فأن ــ أحكي لكم ــ محاولة للغور في عمق القاع المجتمعي وإلتقاط ما فيه من حوادث ذات دلالات تعين على تلمس الواقع و مشكلاته برؤية ناقدة مستلهمة رؤى و تجارب الحياة التي عاشتها الساردة ــ ثبات نايف ــ التي عادت الى قراءها بمنجزها الصادر حديثاً ــ أحكي لكم ــ بعد توقفها عن النشر منذ أمد بعيد , و بعد , أصدارها لمجموعتيها القصصيتين القرار , و … ناس و حكايات , وسيرة حياة بعنوان ( أوراق صامتة ) , ولتعذرني سيدتي أم نوار من انني لم اقرأ لها تلك الاصدارات في حينها ــ ولأسباب واعذار مختلفة , لكني على أية حال أعرفها صحفية مثابرة منذ ستينات القرن المنصرم , وانها تستمد حيوية إبداعها من اقترانها بمبدع كبير هو الشاعر سامي مهدي لا شك ان له ظلال ظليلة على تجربتها الابداعية قصة و صحافة , ورغم ان حكاياتها في ــ احكي لكم ــ ذات نكهة عراقية تستمد حضورها من فاعلية مجتمعنا , إلا انها ــ أحكي لكم ــ تمنحنا فسحة من التأمل في ما نحن عليه من إشكالات مجتمعية , بعيداً عما يدعوه البعض بسلطة تأويل النصوص , فهذه النصوص على قصرها واضحة مصاغة بلغة يومية شفافة بعيدة عن التقعر والمباهاة بفائض الكلام , لانها تمضي الى القراء بأقل الكلمات وأصدقها لتضيء مساحات معتمة من زوايا تفكيرنا , خمسة وسبعون حكاية أو سمها ما تحب , تضمنتها ــ أحكي لكم ــ التي خلت من سنة الطبع و مكانه ودار النشر وعنوانه , وكل تلك من ضرورات التوثيق , كما أرى و يرى الكثيرون لكن هذه الحكايات / القصص , أعادتني الى زمن القص الواقعي , وغرست في النفس محفزات الأمل بوجود قامات مبدعة مازالت تنهل من معين موار وتتحدث بصدقها عن معطيات و مشكلات واقع ملتبس تراكمت على محياه أتربة التمنطق بإدوات ليست على مقاس أجسادنا و قادتنا الى ما نحن عليه الآن من تشظيات تحت مسميات الحداثة و ما بعدها و مدارس المناهج الوافدة
على أية حال …..أحكي لكم للسيدة ثبات نايف رشة ملح على جراحنا العميقة التي أحدثتها الأيام و حفرت أخاديدها في ضمائرنا و قلوبنا الموجعة ….
ولي كل الحق في ان أبتهج بعودة أم نوار الى ميدان ابداعها ــ رغم مشاغل الحياة وتعقيداتها , فهي من القدرات الأصيلة التي عركتها الظروف القاسية وظلت قامة شامخة مبدعة رغم أنف الزمن وغدره …..سأختار في هذا العرض بعض ما أدهشني من ( أحكي لكم ) للتمثيل على اعجاب شخصي بهذه الجهود وستكون ((مراهقة)) ص 43 واحدة من تلك النماذج التي تقول فيها ثبات نايف :
… ما ان تثاءب الأب و نهض الى فراشه حتى مد المراهق الصغير يده الى منفضة السكائر و تناول عقب سيكارة ونفخ فيه فتصاعد الدخان أمام عينيه وتمثلت له بشراً سويا فأبتسم لها وغرقا في بحر هائج لا قرار له …
ورغم قصر ((مراهقة)) إلا انه يمتلك من سحر التأثير وقوة الايصال ما تعجز عنه صفحات طويلة من القص السائد هذه الايام , وأجمل ما في (مراهقة) استفادتها من النص المقدس وتوظيفه في دعم حكايتها ــ وتمثلت له بشراً سويا ــ
وفي (( وهم )) تأخذ الحكاية منحى آخر فتقول السيدة المؤلفة فيها :
.. اشترى لها فستاناً جديداً بمناسبة الذكرى له لزواجهما السري , ألحت صديقتها عليها أن تعيرها اياه لترتديه في مناسبة سعيدة ودعتها الى حضور حفلة خطوبتها في بيت الصديقة , فوجئت بزوجها يجلس الى جانب خطيبته التي ارتدت فستانها الجميل .. ص 116
ورغم ان في ((وهم)) شيء من الخيال الجامح ( الفنتازي ) إلا ان الحكاية ربما تحصل في مجتمعنا لا بل حصلت ……. فشكراً لمن امتعنا بــ (( أحكي لكم )) واتمنى على النقاد ــ على قلتهم ــ الانتباه الى جهد السيدة ثبات نايف وقراءة نصوصه بشيء من التفصيل والتقدير .