ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يؤذي‭ ‬شعباً‭ ‬أو‭ ‬أمة‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬تناحرها‭ ‬الذاتي‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬دمار‭ ‬بمعان‭ ‬كثيرة‭. ‬ذلك‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬إيقافاً‭ ‬للبناء‭ ‬والتنمية‭ ‬والتطور‭ ‬الحضاري‭ ‬عموماً‭.‬

ولكن،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬اشكال‭ ‬التناحر‭ ‬الذاتي‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬أسبابه‭ ‬أولاً؟‭ ‬انها‭ ‬ببساطة‭: ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية،‭ ‬ولها‭ ‬أسبابها‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬موضوعية‭ ‬وشخصية،‭ ‬تلك‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعها‭ ‬ثانية‭ ‬الى‭ ‬أسباب‭ ‬وعوامل‭ ‬شخصية‭.‬

ما‭ ‬أود‭ ‬التركيز‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬تدفع‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭ ‬الى‭ ‬التسقيط‭ ‬والتخوين،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬التداعيات‭ ‬التدميرية‭ ‬لذلك؟

نجلس‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬ونسمع‭ ‬قصصاً‭ ‬شتى‭ ‬في‭ ‬تسقيط‭ ‬هذا‭ ‬وتخوين‭ ‬ذاك،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬وعلى‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزة،‭ ‬والاخطر‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬رسائلها‭ ‬وسرعتها‭ ‬وفنونها‭ ‬المذهلة‭ ‬والمشوقة‭ ‬والخداعة‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بات‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬لقطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬الشعب،‭ ‬الذي‭ ‬يجني‭ ‬دماراً‭ ‬في‭ ‬حصاده‭. ‬فعلى‭ ‬مدار‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬ودقائقه‭ ‬أحياناً‭ ‬تمطرك‭ ‬رسائل‭ ‬واخبار‭ ‬الفضائح‭ ‬أو‭ ‬القتل‭ ‬أو‭ ‬السرقات‭ ‬أو‭ ‬الرشاوي‭ ‬أو‭ ‬المخدرات‭ ‬أو‭ ‬التزوير‭ ‬أو‭ ‬اعمال‭ ‬العمالة‭ ‬وبيع‭ ‬الوطن،‭ ‬في‭ ‬اجواء‭ ‬اختلط‭ ‬فيها‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل‭.‬

ان‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬قد‭ ‬انفلتت‭ ‬من‭ ‬عقال‭ ‬الدور‭ ‬الضابط‭ ‬والمسؤول‭ ‬وانتقلت‭ ‬الى‭ ‬ادوار‭ ‬التشهير‭ ‬والتسقيط‭ ‬والتخوين‭ ‬والتصفيات‭ ‬المتقابلة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وباتت‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬واللعبة‭ ‬المسلية‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬والثأر،‭ ‬وأحالت‭ ‬منافساتنا‭ ‬السياسية‭ ‬الى‭ ‬معارك‭ ‬مستنقعات‭ ‬آسنة‭ ‬نبحث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬غنائم‭ ‬نتنة،‭ ‬ورمال‭ ‬رملية‭ ‬متحركة‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬اغوارها‭ ‬الجميع‭. ‬انه‭ ‬حصاد‭ ‬مدمر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬وطني‭ ‬واجتماعي،‭ ‬وهو‭ ‬ثقافة‭ ‬بائرة‭ ‬في‭ ‬قيمها‭ ‬وسلوكياتها‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬نحاول‭ ‬تفسيره‭ ‬أسبابه‭ ‬سياسياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التالي‭:‬

‭-‬اهتزاز‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬ضياع‭ ‬المنظومات‭ ‬الاخلاقية‭ ‬الوطنية‭ ‬الضابطة

‭-‬تخلف‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬نضجه

‭-‬عدم‭ ‬حضارية‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية

‭- ‬ايثار‭ ‬الاحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬لمصالحها‭ ‬الذاتية

‭-‬البيئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬قيمها‭ ‬الداعمة‭ ‬لاسباب‭ ‬التناحر

‭-‬تداعيات‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والمعيشية‭ ‬الماضية

ازاء‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬في‭ ‬مظاهره‭ ‬واسبابه‭ ‬وتداعياته،‭ ‬نجد‭ ‬انفسنا‭ ‬جميعاً‭ ‬مسؤولين‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬مآلاته‭ ‬المدمرة‭ ‬لمجتمعنا‭ ‬وشعبنا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬النازف‭ ‬دماً‭ ‬والمتصبب‭ ‬عرقاً‭ ‬والمنهوب‭ ‬ثروة،‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬المهزوز‭ ‬هوية‭ ‬والمثلوم‭ ‬كرامة‭ ‬وسيادة‭.‬

برلين

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *