في بداية الثمانينات كنت آمر بطرية مقاومة طائرات في منطقة الدورة،فأُبلغت في أحد الأيام أن جنود أحد الرعائل تركوا مدافعهم وذهبوا للعراك مع عمال(أجانب)في أحدى شركات المقاولات المجاورة.ذهبت مسرعاً فوجدت الجميع(بما فيهم آمرهم)يتعاركون مع عمال تلك الشركة بسبب أنهم كانوا يرونهم وهم يتحرشون بنساء عراقيات .تذكرت هذه الحادثة،وأنا أتابع حملة التنمر الجنسي على سفيرنا في الأردن وعائلته.فالجنود لم يروا مشكلة في تركهم لواجبهم في الدفاع عن سماء العراق التي كان يمكن أن تنتهكها طائرات العدو وتقتل العراقيين أثناء أنشغالهم بالأنتقام لشرف العراق(الجنسي)،لكنهم كانوا يرون أن(التحرش)بنساء العراق هو المشكلة الأكبر! هذا لا يعني أقراري للصور التي أتفهم غضب البعض منها،لكنه يعني أن واحدة من أهم أسباب بلوغنا ما نحن فيه هو جهلنا بفقه الأولويات من جهة وأصرارنا أن الشرف الذي تراق على جوانبه الدم يرتبط بالمرأة من جهة أخرى.
مهنياً،لم أسمع لحد الآن عن السفير أي ملاحظة سلبية،بل العكس تماماً. وأنا أحد الذين يشهدون بمهنيته. لكننا بدل أن نركز على ذلك ركزنا على صورة تبدو(غير لائقة) لكننا لا نعرف أي شيء عن حيثياتها! الغريب أن هذه الصورة جاءت بعد أقل من 24 ساعة على نشر فيديو يقوم فيه أحد الوزراء السابقين مع(تاج رأسه) بالقسم على القرآن أنهم سينفذون ما(أتفقوا عليه)تجاه أقتصاد العراق وصناعته.فأنسانا فيديو أنتهاك شرف العراق(الجنسي)،فيديو أنتهاك شرف أقتصاد العراق(المنسي)! وكما قال لي أحد أساتذتي يوماً: أن الشرف عند شعوبنا يبدأ من الصدر الى الأسفل،في حين أنه عند الآخرين يبدأ من الرقبة الى الأعلى! هنا أود أن أطرح سؤالين،الأول: ماذا لو كانت الصورة لسياسي رجل،أو ولده (وما أكثرهم) وهو يراقص (عاهرات) وينثر الأموال عليهنَّ نثرا؟ هل كنا سنرى نفس حملة التنمر هذه،أم ربما يعد البعض ذلك من مظاهر الرجولة،فالرجل هو من يرقص مع(الكاوليه) ليريهم فحولته! لا بل أن الشرف في أن تكون نهّاباً،لكن العار والشنار أن تظهر زوجتك مع الآخرين! أما السؤال الثاني،ماذا لو لم يكن من ظهر مع زوجة السفير ليس فناناً،فهل كانت الصورة ستنال نفس التنمر؟! أؤكد،لكي يكون واضحاً،لمن سيتنمرون ضدي ويتهمونني بالتهم المتوقعة،أني شخصياً لم أكن لأسمح بألتقاط مثل هذه الصورة،لكني أردت التأكيد على أهمية فقه الأولويات. فالأولوية محاسبة الموظف العام على مهنيته ونزاهته لا على أموره الشخصية،رغم أنها أيضاً مهمة للسفير. كما أردت التوكيد على خطأ الثقافة الذكورية التي تجعل المرأة عورة والرجل بطلاً عند ممارستهما ذات الفعل الأخلاقي. فالذكور من السياسيين والموظفين العموميين من حقهم أن يأخذوا صوراً وبكل الأوضاع مع من يشاؤون ببساطة لأنهم رجال!
هناك نقطة أخيرة اود التنويه لها،فعشيرة السيد السفير سرعان ما تبرأت منه ،وقالت في بيان أصدرته أنه ليس من العشيرة! سأوافق(بل أرفع القبعة)لهذا البيان أذا أجابت على هذين السؤالين: ألم تكن العشيرة قبل ذلك تفتخر بأن أحد أبناءها كان سفيراً بل وتتوسط عنده لتمشية أمورها عند الدولة وفي مختلف الدوائر؟ والثاني:أذا ظهر أن أحد أبناء العشيرة(من المسؤولين) سارق أو مختلس أو مرتشي أو قاتل لشباب وطنه من المنتفضين السلميين المطالبين بتحسين الأوضاع في العراق فهل كنتم ستتبرأون منه أيضاً؟