كانت السيارة تعاني من أعطاب مختلفة، وكان السائق يحاول إصلاحها بشتى الطرق دون ان يهتدي الى سبيل، وكان لايملك من المال الكثير، وحين قام بسحبها حيث مكان تصليح السيارات طلب منه صاحب المحل مبلغا كبيرا، وكان مرتبه لايكفيه، فقرر سحب السيارة الى منزله، ولم يستطع تأمين عملية النقل بقطر السيارة، فقرر قيادتها، وكانت المشكلة إنها لاتسير الى الأمام كما هو حال السيارات في بلدان العالم جميعها، وحين أدار المحرك بدأ يعمل لكن السيارة كانت ترجع الى الوراء، ولاتتقدم الى الأمام، وكان الناس في الشارع ينظرون مستغربين متعجبين فهم يرون سيارة تسير الى الوراء، وهو أمر غير مألوف في شوارعنا، وعلى أية حال فقد وصل بالسيارة الى منزله.
أحد الجيران، وكان يدعي المعرفة بتصليح السيارات خاطبه متهكما، وطلب منه مفتاح السيارة، وأدار محركها، وإنطلق بها وهو الى جانبه، ولم يكن الطريق معبدا ،وكان متربا فثارت عاصفة من الغبار، وكانت السيارة كعادتها الأولى تسير الى الوراء، وبينما الناس مستغربون كانت إمراة تمر من المكان ومعها طفلة سقطت على الأرض وظن الناس أنها دهست، فصاروا يجرون خلف السيارة حتى أوقفوها، وإنهالوا عليهما بالضرب والشتائم ولم يتركوا وسيلة إلا وإستخدموها للإنتقام، وبادر أحدهم، وكان من المقربين لصاحب السيارة، وكشف الجموع، ووجه لكمة الى أنف صاحبنا، وأسقطه أرضا، وكان الجميع يضرب، ويستخدم الأحذية، حتى جاءت المرأة مسرعة وهي تصرخ فيهم: ياجماعة البنت سقطت عرضا، ولادخل لهما في ماحدث دعوهما يذهبان الى حال سبيلهما فهما بريئان.
حاول إبن عمي تجاهل ذكرى سيارته التى كلما ضغط على دواسة البنزين لتمضي الى الأمام عادت به الى الوراء، وتنازل عن جميع حقوقه التي غابت تحت أكوام الأحذية، وظل يؤرقه كيف إن إبن عم له كشف الجموع، وتوجه نحوه، ولكمه على وجهه وهو يعرفه حق المعرفة فذهب إليه وسأله عن تلك اللكمة التي هشمت أنفه، وكان حقا عليه الدفاع عنه؟ فرد إبن عمه: إنه رأى الجميع يضرب فيه ويرمي الأحذية نحوه، ولو حاول الدفاع عنه وصاحبه لصار ثالثهما في الضرب والتنكيل والإهانة فإختار أن يكون مع الجماعة كي لايشذ الى النار.
هكذا هو حال العراق اليوم حيث يتعرض الى الضرب والإهانة والتنكيل، ولايتأخر أحد في دخول ساحة المنازلة فيه، والجميع يتدخل في شؤونه فلاحرمة له، ولاحصانة.