قالت خاجية: تجاوُزُ الفسادِ في العراق ما حصل في كلِّ العالم في الفلبين و تايلند و سنغافورة و أمريكا و إيطاليا و دول أمريكا اللاتينية و دول أفريقيا.. و نحتاج قاضي شجاع ينظِّف الدولة كما جرى
في ايطاليا ..
ففي بداية التِّسعينيَّات أعلن قاضي أربعيني اسمه (أنطونيو دي بييترو) الحربَ على الفساد، بدأ الأمرُ حين اكتشفَ دي بييترو أثناءَ إحدى التحقيقات تورُّطَ بعضِ السياسيين في قضايا رِشوة، و بعد توسيع التحقيق وجدَ أنها شبكة ضخمة على المستوى الوطني متورِّطٌ فيها شخصيات من كل الوظائف و المستويات، وزراء و مديرو شرطة، مدنيون و عسكريون، و ديبلوماسيون، و رجال أعمال و زوجاتهم.. اتَّخذَ دي بييترو قرارًا عُدَّ حينها “انتحاريًّا” بتوقيفِ كلِّ المتورِّطينَ مهما كان منصبهم، شمِلَت الإعتقالات 5000 شخصًا بينهم أكثر من 1000 من رجال الدولة و السياسة، بينهم وزراء في الحكومة، ثم رئيس الوزراء نفسه الذي هرب بعدها لتونس قضى بقية حياته فيها ..كان دي بييترو يَعي أنه يحارب دولة بأكملها بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى، أضاف لقائمة أعدائه عصابات المافيا و الجماعات الماسونية، أطلق على العملية “الأيادي النظيفة” على أعلى مستويات السلطة و التي كانت تُسمَّى (الزعامات الشريفة).. صُدِمَ الإيطاليون لحجم الفساد، و خرجوا في مظاهرات تدعمُ دي بييترو ،و تَعُدُّهُ بطلًا قوميًّا، و أصبح اسمه يُغَنَّى في ملاعب الكرة مع شعار “دي بييترو جعلتنا نحلم”..أصبح القاضي أُسطورَةً حَيَّةً و لم يفهَم المحلِّلونَ كيف تجرَّأ و فَعَلَها، و حين سُئِلَ بعدها كيف قام بتلك “المعجزة” و ذلك “الجنون” أجاب: إنه اتَّخذَ القرار و هو يعلم أنه قد يدفع حياتَهُ ثمنًا لذلك، و أنه اجتمع بمجموعة شباب من نُخبة الشرطة و أفهمَهُم أنَّ مصير البلد بأيديهم، و أنه لا مجال للخوف و بدؤوا عمليات اختراق واسعة لشبكات الفساد.. تتلخَّصُ فكرته بأنَّ الفساد يُدمِّرُ الدولةَ من الداخل لذلك يجبُ تدميره من داخله.. قال مرَّةً مازحًا: ” *الفسادُ كزواجِ المصلحةِ، إذا أفسدنا المصلحةَ يبطلُ الزواجَ و يُصبِحُ الأحِبَّةَ أعداءً يُدمِّرُ بعضُهم بعضًا”.* . دخل دي بييترو تاريخ إيطاليا بتسبُّبه بإلغاء منظومة فساد عمرها أربعون سنة؛ و تسبَّبَ أيضًا في فَناءِ أحزابٍ تاريخيةٍ. و على يديه انتهت الجمهورية الإيطالية الأولى التي قامت بعد الحرب العالمية و أعلنت بداية الجمهورية الثانية.
استطردت خاجية: إنَّ الفساد تتسبَّبُ فيه اللوبيات و يحميه الساسة و يُصلحُهُ العدلُ إن وُجِدَ…
إنَّ زعامتنا الشريفة تحتاج إلى ألف عملية من (الأيادي النظيفة) و إلى شعب لا يَهاب الحرب القذرة ..
عندما سألتُ خاجية: ما تأثيرُ ارتفاعِ الدولارِ عليكِ؟؟؟
قالت: ما يؤثِّر ..لأننا بالأصل على الحديدة و اذا ارتفع نبقى على الحديدة ..
عاودتُ السؤالَ عليها: ألم تفلح حكومة الكاظمي مع الشعب العراقي ..
أجابني بسُخريةٍ: مرتين عملها الكاظمي؛ الأولى: كَعَّدَ أخوه عماد من النُّوم برمضان؛ و الثانية كَعَّدَ الشعب على الحديدة من وقت ما جاء..
اللهمَّ ألهِمنا الصبرَ و الايمانَ..
وانصرنا على حكومة الشيطان..
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي