المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف لا تصطف مع طرف ضد طرف آخر، هذا هو منهجها الذي تسير عليه ولا يمكن اعادة توضيحاتها الكثيرة بهذا الشأن. وهذا لا يعني ان المرجعية ليس لها موقف من الاحداث، بل على العكس تماما، لها مواقف موثقة ومن يريد استقصاء تلك المواقف عليه ان يتعب نفسه قليلا او ان تكون ذاكرته عامرة. وهنا نود التذكير ببعض ما تتبناه المرجعية وفق حراكها التاريخي طيلة فترة ما بعد 2003 ولغاية اليوم.
1/ ذهاب وفد من المرجعية الى طرف ما لا يعني الاصطفاف، ومن يدعي غير ذلك فهو يفتري على المرجع الاعلى، وقد اوضحت المرجعية مواقفها مرارا وتكرارا بانها تقف على مسافة واحدة من الجميع. وبنفس الوقت هذا لا يعني انّ المرجعية تلتزم الحياد تجاه القضايا العامة؛ انما تحاول دائما اعادة من يخرج عن جادة الوطن الى الاجماع.
2/ المرجعية ترفض اي تغيير او ممارسة خارج السياقات القانونية والدستورية، فطالما كان الصراع ضمن الدستور والقانون فهي لا تخشى بل تشجع على ترسيخ تلك الممارسات ليكون للقواعد الدستورية مرجعيتها الحتمية والملزمة للجميع. وترفض المرجعية اي قفز على القوانين النافذة في البلد؛ بمعنى انها ترفض فرض التغيير بالقوة والتهديد لانه يربك المشهد ويهدد السلم.
3/ مع ذلك، فالمرجعية تتعامل مع الواقع بدقة، اي انها وفي حال كانت هناك قوّة سياسية لها حضورها الفاعل في المشهد الاجتماعي وهذه القوة غير ملتزمة بالسياقات الدستورية، فالمرجعية هنا تحاول وتسعى ان تحتوي هذه القوة وتعيد دمجها في مجتمع الدولة لتجعلها بالنهاية تلتزم بسياقات الدستور والقانون وتبتعد عن التصعيد، اي ان المرجعية لا تتبنى حلول (الكسر) وكل من يلجأ إلى تلك الحلول تسعى الى فتح حوار معه لتعيده الى الجادة الصواب، وهذا ليس دعما او تبني بل هو محاولة احتواء.
4/ المرجعية الدينية العليا ليست حزبا سياسيا، ومسؤولياتها ابعد من الاحداث السياسية، فهي تنظر الى التيار الصدري وغيره من القوى الاجتماعية على انهم شيعة، وبما ان التيار يعيش مرحلة من غياب التوازن الامر الذي قد يجعلهم ينسلخون عن المجتمع الشيعي وهو امر به مخاطر عظيمة، لذا تسعى الى تهدئة هذا التيار وانصاره لعبور الازمة.
5/ في المرحلة الاولى لسقوط النظام والتزام السنة جانب المعارضة المسلحة (الارهاب) حتى وصل الامر الى تفجير الامامين لم تتخذ المرجعية موقفا سلبيا منهم، بل قالت “انفسنا”. وهذا لا يعني ان المرجعية العليا كانت تقف مع السنة؛ انما كانت تسعى الى احتواء هذا المكون الذي ان لم يندمج في الدولة ستكون له آثارا مدمرة.
6/ المرجعية العليا لا تلتقي بمن يؤمن بالدولة والعمل الدستوري، فهذا يتسق مع توجيهاتها وبالتالي فهي لا تخشى منه على السلم الاهلي؛ انما تخشى من الذين يعلنون إلغاء الدستور وتحاول تحجيم ادوارهم عبر سياسة خاصة قد لا يفهمها بعضنا.
7/ ليس من منهج المرجعية ان تتبنى موقفا سياسيا او اجتماعيا تطرحه جهة ضد جهات اخرى، وهذه بديهية لا جدل فيها او عليها.
ومن هذه المنطلقات وغيرها لا نستطيع ذكرها نقول: انّ المرجعية منهجها معروف وواضح وقد عبرت عنه قولا وفعلا في مناسبات كثيرة، وليس من المنطقي تفسير كل ما يصدر منها او يبدر عنها. المرجعية كالاب المثالي، تتواصل اكثر مع الابن الذي يحاول الانعزال، وتحاول لملمة الصف وجمع الكلمة، فلا داعي ان تقدم النصح لمن يدعو الى الوحدة، بل توفر ذلك النصح والاحتواء الى من يحمل السلاح ليفرض اردته على اخوته.
تذكروا الحدث التالي: المرجعية ووكلاءها ومعتمديها تعرضوا للسب والتهديد والقتل والجرح، ولكنها لم تعلن عن موقف، بل سعت الى احتواء كل من ناصبها العداء واليوم تحتوي من يناصب مطيعها ذات العداء.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *