رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي

على عتبات السؤال نقف مستطلعين حوافز البحث لاكتشاف مدى قدرة المحكمة على حل مجلس النواب من عدمه، سواء ما يظهر منه في النص وما يتخفي في بطون النظريات العامة للتفسير الدستوري.
وبداهة انه من المفترض ان تصدر المحكمة الاتحادية العليا قرارها نهاية هذا الاسبوع بشان الدعوى المرفوعة لحل مجلس النواب العراقي.
وبالرغم من ان معظم الاراء تذهب الى ان المحكمة ستذهب نحو رد الدعوى سواء لعدم الاختصاص اوغياب النصوص التي يتم الاستناد عليها في الحل او انتفاء الاسباب الموجبة لحل المجلس، الا ان هذه الدراسة تحاول ان تجوس بحذر للوصول الى اجابة شافية كافية وافية بشأن هذه المسالة مثار البحث.

أولا : أهمية التفسير الدستوري
تتأتى اهمية التفسير الدستوري بوصفه الاساليب او الاستراتيجيات المتاحة للمفوضين بالتفسير )المحاكم الدستورية غالبا) لحل النزاعات التي تنشا نتيجة تطبيق الدستور من خلال المعنى الجوهري للكلمات ودراسة النص ودلالته وسياقه التاريخي او السياسي والاجتماعي العام الذي تم اعتماده في وقت وضع النص او النصوص باتخاذ مصادر مختلفة للتفسير ويذهب الفقيه عبدالرزاق السنهوري ان التفسير بمعناه الواسع هو توضيح ما ابهم من الفاظه، وتكميل ما اقتضب من نصوصه ، وتخريج ما نقص من احكامه، والتوفيق بين اجزائه المتنافضة”.
ثانيا: مذاهب التفسير الدستوري
هناك مذاهب عدة في التفسير الدستوري الا انها أجمالا تعتمد على اربعة عناصر اساسية
التحديد الصارم : الذي يعتمد على الصباغة الدقيقة للنص الدستوري من أجل استخراج المعنى للنص من دون الاهتمام بالبيئة الخارجية المحيطة بالنص او سياقه التاريخي.
البناء المفتوح : وهو على العكس من التحديد الصارم ، حيث ينفتح النص على نطاق اوسع من بنيته النصية الى الواقع المعاش مما يتطلب توافق النص مع العصر الحديث، إعتمادا على نظرية مفادها ان الاباء المؤسسين لم يتمكنوا من تصور كيفية تطور المجتمع او تراكم الخبرات نتيجة العمل السياسي.
الاصلانية او الاصولية: حيث يعتمد على المعنى التاريخي الاصلي للنص الدستوري في وقت كتابته .
نية المؤسسين: بالاستناد الى المؤسسين في وقت كتابة الدستور، وفي الدستور العراقي يمكن اعتماد محاضر جلسات كتابة الدستور بوصفه مرجعا لكشف نية المؤسسين.
ومن هذه العناصر الاربعة تنقسم مذاهب عدة منها مذهب التفسير الحرفي للنص او التفسير التاريخي والاجتماعي او التفسير العلمي الحر وغيرها من المذاهب.
ثالثا : من هي الجهة المكلفة بالتفسير الدستوري؟
غالبا ما تكون المحاكم الدستورية هي الجهة المكلفة بتفسير الدستور او الحكم في التنازع حول تطبيق النصوص الدستورية او الثقانونية ذات الصلة ، وقد تكون عبارة عن مجالس مثل المجلس الدستوري الفرنسي.
وقد اناط الدستور العراقي مهمة تفسير الدستور العراقي الى المحكمة الاتحادية العليا، وذلك طبقا لنص المادة (93) من الدستور العراقي.

رابعا: نماذج لحل البرلمان في دول العالم من قبل المحاكم الدستورية
لجأت بعض المحاكم الدستورية الى حل البرلمان على نحو مباشر وغير مباشر في دول عدة ، فعلي سبيل المثال قررت المحكمة الدستورية في الغابون في قرار
لها حل البرلمان وهي جمهورية ديمقراطية تعددية وذلك عام 2018، كما حلت المحكمة الدستورية في مصر البرلمان المصري عام 2012 على نحو غير مباشر من خلال الطعن في قانون الانتخابات، كما حلت المحكمة الدستورية في الكويت مجلس الامة الكويتي عام 2012 على نحو غير مباشر، من خلال الطعن في حل مجلس الامة السابق، وهناك نماذج مماثلة للحل في أكثر من دولة وفي العالم العربي هناك نماذج مماثلة في ليبيا عام 2014 والسلطة الفلسطينية عام 2018.
خامسا: المآخذ على قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق
ولعل من المفيد الاشارة ، ان التجارب الماضية لقرارات المحكمة الاتحادية العليا سواء بتشكيلها الجديد او القديم، تتسم بانعدام المعيارية في عدد من قراراتها الرئيسة، وعدم استنادها لنظريات علمية راسخة تكون بمثابة هدى لقراراتها، مما ادى الى تعارض قراراتها او الوصول بنا الى قرارات غير حاسمة للتنازع ومنها على سبيل المثال قراراها رقم 23 وموحداتها 25 / إتحادية / 2022 الذي بالرغم من أنه أقر مدة الثلاثين يوما بوصفها مدة دستورية حتمية تلزم انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية خلالها وعدم تجاوزها، إلا انه لم يضع الجزاءات المناسبة ، بل ووضع عبارات فضفاضة من دون نهايات، حينما اشار الى ان تجاوز تلك المدة وعدم انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية يوجب إيجاد مخرجا لذلك التجاوز بما يضمن انتخاب رئيس للجمهورية خلال مدة وجيزة وهي عبارة لا معنى لها في دلالات النظريات العملية للتفسير الدستوري
سادسا: هل يمكن للمحكمة الاتحادية العليا حل مجلس النواب العراقي؟
ليس في الدستور العراقي ما ينص على نحو مباشر على حق المحكمة الاتحادية العليا في حل مجلس النواب العراقي على نحو مباشر.
لكن نظرا للصلاحيات الواسعة للمحكمة الاتحادية التي منحها الدستور وقانونها، فإن للمحكمة صلاحية حل البرلمان على نحو غير مباشر ، فالمادة (93) نصت على صلاحيات عدة منها الرقابة على دستورية القوانين والانظمة وتفسير النصوص الدستورية والفصل في القضايا التي تنشأعن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ، وبهذا اعطت هذه الصلاحيات بدلالة النصوص القطعية سلطة شاملة للمحكمة الاتحادية ومن ضمنها ان لا يخرج السلوك السياسي والانماط السياسية عن المشروعية الدستورية والقانوينة استنادا الى مذهب التفسير الحرفي للنص الدستوري للنظرية العامة في التفسير الدستورية.
و سبق للمحكمة الاتحادية العليا ان نصت في في قراراها 23 وموحداتها 25 / إتحادية / 2022 على الاتي ”
أن مدة الثلاثين يوما هي مدة دستورية حتمية تلزم انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية خلالها وعدم تجاوزها.
ان تجاوز تلك المدة وعدم انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية يوجب إيجاد مخرجا لذلك التجاوز بما يضمن انتخاب رئيس للجمهورية
يتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال فترة وجيزة تتناسب مع ارادة المشرع الدستوري والمصلحة العليا للشعب التي توجب استكمال تشكيل السلطات الاتحادية، ضمن الاستحقاقات المنصوص عليها في الدستور.
كما سبق للمحكمة الاتحادية ان اصدرت بيانا لها قالت فيه ان الامر الولائي رقم (1) في 13/1/2022 المقدم ضمن الدعوى الخاصة بالطعن في صحة اجراءات جلسة مجلس النواب في 9/1/2022 لايؤثر على سريان المدد الدستورية بخصوص اكمال بقية الاستحقاقات الدستورية والمتمثلة بالموعد الاقصى لانتخاب رئيس الجمهورية، وهي ثلاثون يوما حسب المادة (72//ثانيا/ب) من الدستور. وهذا البيان اقرار من المحكمة بالمدد الدستورية وحدودها القصوى.
وعليه بما ان المحكمة الدستورية قد عدلت في قرارها 23 وموحداتها 25/ اتحادية /2022 عن القرار السابق 51/إتحادية/ 2010 وعدت ان المدة المنصوص عليها في المادة (72/ثانيا/ب) هي مدة دستورية وليست تنظيمية ، فينبغي لها ان تضع جزاءات لتجاوز هذه المدة الدستورية، أما وصف ضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد خلال (مدة وجيزة) فهو لايتناسب مع صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا ووظيفتها وفقا للدستور والقانون، لاسيما وان قرارات المحكمة الدستورية هي الحد الفاصل ما بين الغموض والوضوح وهي الملجأ الاخير،
في المقابل فان سلطتها التقديرية في اللجوء الى النظرية العامة في التقسير الدستوري والاستعانة بقواعد التفسير عند فقدان النصوص، يعطيها سلطة اصدار قرار مفاده ان عدم التزام مجلس النواب بالمدة الدستورية الواجبة بقرار المحكمة 23 وموحداتها 25/ إتحادية /2022 سيؤدي بالضرورة الى فقدان المجلس لعنصر المشروعية الدستورية ، وان فقدانه لهذا العنصر سيقود حتما الى حله على نحو غير مباشر .
بمعنى آخر ، حين يصدق منا العزم على الانخراط في مغامرة الكشف الجديد للنصوص الدستورية وفقا للنظرية الهامة في التفسير الدستوري، لاشك انه ستتغير مقايس الاحكام الصادرة من المحكمة وتضعها في سكة المعيارية المفقودة، وعليه نقول بإمكان المحكمة الاتحادية العليا ان تحل مجلس النواب بطريقة غير مباشرة، حينما تقرر ان مجلس النواب الحالي قد فقد المشروعية الدستورية، وانه لا يعمل على اساسها، وبالتالي كل تصرف صادر منه لاحقا يعد تصرفا خارج الدستور والقانون ولا اثر له، مما يفرض حله واجراء انتخابات تشريعية جديدة لاستعادة تلك المشروعية الدستورية المفقودة.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *