المرّة الاولى التي تعرفت فيها على مهمات الدفاع المدني خلال انضمامي لكلية الشرطة كانت عام 1967 حين كنت في الصف المستجد ثم تابعت اهتمامي بهذا الجهاز الخدمي الانقاذي اثناء مسيرتي الوظيفية ، وبعد بلوغي السن التقاعدي برتبة فريق، لم ينقطع اهتمامي بهذا الجهاز الحيوي ولا بمفهوم الدفاع المدني في النظرة الادارية والاخلاقية والانسانية التي هو عليها. هناك من يٌحصي عشر مهماتٍ للدفاع المدني على وفق لوائح العمل العالمية تترواح بين التحذير والوقاية والانقاذ والاخلاء والدعم الاغاثي وتدريب المواطنين على السلامة العامة وتكوين مجالات حيوية تضمن التصدي للكوارث والمهارة في تلافي الخسائر ، وهناك خبراء في مهمات الدفاع المدني يرون ان من الخطأ حصر مهمة الدفاع المدني في عددً معينً من الاهداف ، بل هو مفتوح المهمات وفق الحاجة الطارئة التي تتطلب حضوره ، واذا كان قد قيل (ما ابطأ وسائل الدفاع المدني رغم سرعتها الجنونية) للوصول الى قلب الحدث، تظل مديرية الدفاع المدني العراقية عند القيمة الادارية والتنفيذية المتميزة بالامكانات التقليدية المتوفرة مقابل الاضافات التقنية الحديثة التي تم استحداثها عالمياً الى حد صناعة جهاز نفاث يربطه رجل الدفاع المدني حوله فيطير به وصولا الى قلب الحدث والتعامل معه بالمزيد من الثقة. ان السؤال الجوهري الذي يستحق الطرح اين امكانيات الدفاع المدني العراقية من التطورات التقنية والتعبوية لمهمات الدفاع المدني الحاصلة عالمياً ، وماهو مقدار المواكبة العراقية لهذه التطورات ؟ اجد من المعيب حقا، ان يتم التعاطي مع هذه الحاجات باسلوب روتيني، ان لم اقل بأستهانة اذا احصينا المهمات الجسيمة التي يؤديها الدفاع المدني العراقي والتضحيات التي يقدمها ، فوفق احصاءات موثقة صادمة، الدفاع المدني العراقي تعامل مع(3600)حريق اندلعت في النصف الاول من السنة الحالية 2022 ، وقد اصيبت بغداد بالحصة الاكبر منها ، واذا اضفنا الى ذلك المهمة العسيرة التي تولى بها الدفاع المدني مسؤولية الانقاذ والاخلاء وايصال المصابين الى المستشفيات جراء اعمال العنف والتفجيرات الارهابية تكون المهمة التي اضطلع بها اكبر من الامكانيات التقنية المتوفرة لديه ولا اقول العزيمة لأن المتوفر منها لدى رجال الدفاع المدني العراقيين اكبر من القياسات التقليدية .

ان الشهامة والنخوة والالتزام الاداري والتفاني من اجل الخدمة الانقاذية هي التي تحركهم ولكم ان تقيسوا الجهد المضني في مواجهة الحرائق التي التهمت مستشفيات في بغداد والناصرية وفي مدن عراقية اخرى ، وكذلك الحرائق التي حصلت بتدبير فاسدين ، او حرائق اندلعت في بساتين عامرة وحقول حنطة وشعير ومزارع حبوب اخرى ، بل لكم ان تتوقفوا عند الانهيار الذي حصل بمزار قطارة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في كربلاء ودور الدفاع المدني في الانقاذ ، وفي انتشال جثث الضحايا ، وفي امداد المحاصرين بالماء والغذاء الذين بقوا عدة ايام مقطوعين عن العالم ختاماً ، الدفاع المدني العراقي بحاجة الى رعاية حكومية خاصة ضمن مقاييس الرعاية الادارية والتقنية ذات الجودة العالية لكي تكون له القدرة الباسلة للمهمات الشاقة التي يؤديها خصوصا مع التعقد الذي اصاب المشهد العراقي العام وظواهر الاضطرابات الامنية والسياسية والاقتصادية .

لا يكفي ان تقول الجهات الحكومية عملنا كذا وكذا بل عليها الاجابة عن حجم المتوفر من الامكانات المادية والتقنية له وما حجم الجهد المبذول في ضمير الراي العام العراقي في الدعم الذي ينبغي ان يقدم الى مركز التدريب المرتبط بمديرية الدفاع المدني. لقد لاحظت من خلال قراءات لي عن مفاهيم الدفاع المدني في العالم ان هناك شخصيات سياسية ونخب فكرية واجتماعية تتشرف في ان يكونوا اصدقاء وداعمين لمؤسسات الدفاع المدني ومتطوعين في المهمات الميدانية للانقاذ والاخلاء وانشاء ملاذات آمنة للمتضررين المنكوبين جراء الاعاصير المدمرة والفيضانات واعمال العنف والتصحر. اخيرا ، من ملاحظة ميدانية اجدٌ ان كل المناطق العشائرية العراقية تفتقر لآليات الدفاع المدني امام الحرائق والعواصف والجفاف والفيضانات ، وما حصل في العام الماضي من سيول اجتاحت جنوب محافظة نينوى يؤكد ذلك.

اننا في العراق بحاجة ماسة الان الى اعادة النظر بالدعم المقدم للدفاع المدني ، دعم يرتقي بهذا الجهاز الانقاذي الى مستوى الجودة التي تليق بالمسؤوليات التي يضطلع بها

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *