منذ سنوات عديدة، ربما سبقت ولاية الرئيس دونالد ترامب، لم يمكث مسؤول امريكي في بغداد في زيارة ذات طابع استطلاعي لمختلف الآراء السائدة في منصة الحكم في العراق . زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط تقع في ميزان الاستطلاع عن قرب بعد سنوات من التطورات التي طرأت على العلاقات العراقية الامريكية اثر وصول صوت إيراني ميداني قوي عبر المليشيات الى الامريكان من خلال البوابة العراقية. ولنقل ان نقطة الانكسار الأكبر كانت في مطلع العام ٢٠٢٠ عندما أمر ترامب بتصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري والمكلف بملف بسط النفوذ الإيراني في دول الشرق الأوسط، انطلاقاً من العراق.
بعد ذلك تطورت حركة الاحتجاج التشرينية والتي اتهم الموالون لإيران الجانب الأمريكي بدعمها في تأليب الشارع العراقي، الشيعي طبعاً، على ايران.
زيارة المسؤولة الامريكية لبغداد وانصاتها الى مختلف الآراء من الرئاسات والمسؤولين انّما هو عمل مرتبط بمركز القرار الأمريكي بما يشبه الاستطلاع الذي يسبق الحركات والعمليات العسكرية في ساحة الحروب، ذلك انه من الواضح ان الرئيس الأمريكي بايدن المتهم بالابتعاد عن العراق وترك المجال لإيران لتوسيع نفوذها، بصدد تقييم واسع وعميق للوضع العراقي في حال حدثت تطورات مفاجئة في العلاقة مع إيران بشأن توقيع الاتفاق النووي المؤجل دائماً.
هناك تصريح واحد صادر عن المسؤولة الامريكية يخص ملف الصراع المحتمل من خلال قولها ان واشنطن تحرص على ابعاد العراق عن ساحة أي صراع في المنطقة. لكن هذا الكلام يشبه الامنية المستحيلة في حال نشب صراع مسلح مع إيران حول النووي، لأنّ التجارب تؤكد حقيقة انّ الاستراتيجية الإيرانية في المواجهات مع اية قوة تقوم على نقل ساحة القتال الى دولة أخرى والرد على العدو في ساحة غير مستعد للمواجهة فيها، وهناك دولتان تقعان في مجال استخدامهما مكانا للرد الايراني هما العر اق ولبنان.
اخراج العراق من معادلة الصراع في حال نشوبه لم يعد قراراً عراقياً او أمريكياً، حتى لو حسنت النيات بشأن ذلك، لأنّ القرار هنا إيراني، وانّ العراق يقع من وجهة نظر مسؤولين في طهران ضمن المجال الحيوي الإيراني، بعد ان ضعف الى درجة كبيرة كدولة ذات استقلالية فعلية، كما كان في العقود الماضية.