باب مغارة العجائب، وإدراك سرِّ الوجود | الكاتبة نيرة النعيمي

لا يمكن لأي معجم في سردياتنا اليومية منافسةُ مفردةُ “الحبّ” من حيث الحضور والتداول، فينطقُ الجميعُ بها مسرفين في تكرارها بأشكال وصياغات متعددة. فترانا نطالبُ العالم: “قل مرة ثانية إنك تحبّني” وكأنَّ الغرض من ذلك هو فكُّ باب مغارة العجائب، وإدراك سرِّ الوجود. لكن، هل يعيشُ المرءُ فعلاً تجربة الحبّ ببساطة التلفظ بالكلمة؟ لعلَّ ما يضاعفُ من الطاقة الايحائية في هذه الكلمة هو المكر والمناورة في المدلول فتوحي بالبساطة والمرح تارةً، كما ترسلُ إشارات بالغموض والطلسم تارةً أخرى. النظر إلى البحر عند المغيب، يعكسُ تماماً ما يكمنُ في هذا الشعور من البساطة والمراوغة. طبعاً بقدر ما يكون النظرُ إلى البحر أمرأً عادياً وبسيطاً فهو نفسه يثير فينا مشاعر غريبة لا يمكن استحضارها في سياق آخر. الإنسان كائن غير متكاملٍ، دائم البحث عن الكمال، فماذا يكسبهُ حبه لمن يكون شبيهاً له في عدم التكامل؟ في الحقيقة يتّفق الكثيرون على أن الحبّ باستطاعته إعادة تشكيل الحياة البشرية ونقلها الى مستوى أرقى مما كانت قبله. والمثير في الأمر أنَّ كل جملة عن الحبّ تضعك بوجه سؤال جديد ويكونُ احتمال التداعي لمقولات وآراء أخرى واراداً في سياق تناول هذا الموضوع. من جهة أخرى، يشغل الحبّ مساحة واسعة في فكر الانسان، وربما يكون ذلك السبب الذي يؤدي الى تفوّق هذا الشعور على كل الإمكانيات الإنسانية الأخرى، فترى أن الزمن يتجمّد بحضور الحب، لتشعر أنّك تدخل في دوامة لا تنتهي من المشاعر والأفكار، تخرج منها لتدخل مجددا في أخرى، بعد أن يعود الزمن الى الحياة ليرتبها من جديد. علاقة خاصة تربط بين الحبّ والرّغبة بالإضافة الى كلّ ذلك، هنالك علاقة خاصة تربط بين الحبّ والرّغبة. الرّغبة التي تحرّك الحياة من لحظة ولادتها، والتي تتحكّم في كيان الإنسان لدرجة لا يكون وجوده مبرراً خارج مدارات الموضوع المرغوب فيه. تقول حنة أرندت لهيدغر في إحدى رسائلها “سأفقد حقي في الحياة لو فقدت حبّي لك” لتعبّر لنا بالوضوح عن حالة التفاني، التي ندخل فيها تحت تأثير الحبّ والرّغبة. ولكن، كوننا بشر نبحث عن الكمال، ما الذي قد نجده في حبّ انسان آخر، ينقصه التكامل الوجودي، ويعاني مثلنا من محدوديّة الحركة في المساحة الزمنية؟ لربما علينا أن نتذكر أن الحبّ لطالما كان، وعلى مرّ الزمان، إجابة لمشاكل الحياة أكثر منه سؤالًا. فحين يحضر الحب نتصالح مع أنفسنا ومع العالم من حولنا. السؤال هنا اذًا، كيف يفعل الحبّ كل ذلك. لا يحتاجُ الحبّ إلى التنظير لا يحتاجُ الحبّ إلى…