الثقافة‭ ‬هي‭ ‬منتج‭ ‬فكري‭ ‬وعقلي‭ ‬ووجداني‭ ‬للكائن‭ ‬الحي‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬غير‭ ‬مستبعد‭ ‬تماماً‭ ‬ما‭ ‬للكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬انماط‭ ‬حياتية‭ ‬ثقافية‭. ‬فلو‭ ‬نظرنا‭ ‬الى‭ ‬الحيوانات‭ ‬باختلافها‭ ‬لوجدنا‭ ‬ولاحظنا‭ ‬فيها‭ ‬نظم‭ ‬حياة‭ ‬تسير‭ ‬عليها‭ ‬وتتعايش‭ ‬معها،‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬لها‭ ‬قيم‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭!!‬

ولكي‭ ‬لا‭ ‬أذهب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬موضوع‭ ‬المقال،‭ ‬أعود‭ ‬لأتحدث‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬أنساب‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتداخلاتها‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬المتبادلة‭. ‬فاليوم‭ ‬نشهد،‭ ‬بفضل‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬وما‭ ‬انبنى‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عولمة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬لثقافة‭ ‬الأقوياء،‭ ‬نظريات‭ ‬ومحاولات‭ ‬لتعميم‭ ‬ثقافة‭ ‬تسود‭ ‬العالم‭. ‬لقد‭ ‬انتصرت‭ ‬ثقافة‭ ‬سروال‭ ‬الجينز‭ ‬ومشروب‭ ‬الكوكا‭ ‬كولا‭!‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬بهذه‭ ‬البساطة،‭ ‬وأن‭ ‬اية‭ ‬ثقافة‭ ‬سائدة‭ ‬هي‭ ‬وليدة‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬لشعوب‭ ‬وأمم،‭ ‬وهي‭ ‬حوض‭ ‬تراكمت‭ ‬وتفاعلت‭ ‬فيه‭ ‬المنجزات‭ ‬الانسانية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الجهل‭ ‬والغباء‭ ‬والظلم،‭ ‬نسب‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬اليوم‭ ‬طليعتها‭.‬

ان‭ ‬خوضاً‭ ‬سريعاً‭ ‬في‭ ‬ثقافات‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬ووادي‭ ‬النيل‭ ‬والحضارات‭ ‬الهندية‭ ‬والصينية‭ ‬والفارسية‭ ‬والاغريقية‭ ‬والرومانية‭ ‬والعربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وغيرها‭ ‬يبرهن‭ ‬ما‭ ‬لشعوب‭ ‬تلك‭ ‬الثقافات‭ ‬والحضارات‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ثقافة‭ ‬وحضارة‭ ‬اليوم‭.‬

نعم‭ ‬لقد‭ ‬اختلطت‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬والقرون‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أنساب‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬لأحد‭ ‬نكران‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬يصح‭ ‬له‭.‬

في‭ ‬مناظرة‭ ‬طريفة‭ ‬بين‭ ‬صديقين‭ ‬عربي‭ ‬وألماني،‭ ‬راح‭ ‬العربي‭ ‬يذكر‭ ‬صديقه‭ ‬الألماني‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ “‬المنتجات‭” ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الألماني،‭ ‬وراح‭ ‬يعدد‭ ‬ويذكر‭ ‬له‭:‬

ان‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬تستخدمونها‭ ‬هي‭ ‬عربية‭ ‬الأصل،‭ ‬وان‭ ‬لغتكم‭ ‬العلمية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬اللاتينية

ان‭ ‬ما‭ ‬تفضلونه‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬هو‭ ‬اكلات‭ ‬ايطالية‭ ‬وتركية‭ ‬وفرنسية‭ ‬ومكسيكية‭ ‬وعربية

ان‭ ‬ما‭ ‬تحبونه‭ ‬من‭ ‬سراويل‭ ‬هي‭ ‬امريكية

وما‭ ‬تستلذونه‭ ‬من‭ ‬أجبان‭ ‬هي‭ ‬فرنسية‭ ‬ودانماركية

اما‭ ‬عطوركم‭ ‬التي‭ ‬تتطيبون‭ ‬بها‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينافس‭ ‬الفرنسية،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينافس‭ ‬الكريستال‭ ‬الجيكي‭.‬

المطاعم‭ ‬الصينية‭ ‬والهندية‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬مدنكم،‭ ‬وكذلك‭ ‬منتجاتهم‭ ‬الكثيرة‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬يتبختر‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬بالملابس‭ ‬الايطالية‭ ‬والاسبانية‭ ‬والفرنسية‭.‬

حتى‭ ‬ان‭ ‬دينكم‭ ‬المسيحي‭ ‬جاءكم‭ ‬من‭ ‬شرقنا‭!!‬

وهنا‭ ‬ينفجر‭ ‬الصديق‭ ‬الالماني‭ ‬ضحكاً‭ ‬ويقول‭ ‬له‭: ‬كفى،‭ ‬كفى‭!‬

ان‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬علمي‭ ‬وتقني‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬انتجه‭ ‬الغرب‭ ‬واوروبا‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬واليابان‭ ‬وغيرها،‭ ‬وان‭ ‬ما‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬اطاره‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬حياة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬مصاهرة‭ ‬ثقافية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مئات‭ ‬والآلاف‭ ‬السنين‭. ‬وعليه‭ ‬هل‭ ‬يحق‭ ‬لبشر‭ ‬أن‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬بشر‭ ‬آخر؟‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬انه‭ ‬يجوز‭ ‬له‭!.‬

يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬قرآنه‭ ‬الكريم‭:‬

‭” ‬انا‭ ‬خلقناكم‭ ‬شعوباً‭ ‬وقبائل‭ ‬لتعارفوا،‭ ‬ان‭ ‬اكرمكم‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أتقاكم‭”‬

‭” ‬ومن‭ ‬آياته‭ ‬اختلاف‭ ‬ألوانكم‭ ‬وألسنتكم‭”.‬

برلين،‭ ‬24‭.‬09‭.‬2022

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *