كانت الغرفة نصف عارية . وقد تناثرت اسرة الاطفال في زواياها . ووضعت المدفأه علاء الدين في الوسط . فاخذت ترسل اللهب الازرق ، ولكن جو الغرفة بقي يغذى البرد . كانت نادية تزجر الطفلة الصغيرة كلما ارادت العبث بشيء من الاثاث ، فهي تشعر بالوحدة تملأ ارجاء البيت بالوحشة والرهبة . بعد ان خرج الزوج الى الدائرة منذ الصباح الباكر . والاطفال ذهبوا الى المدرسة . لقد مرت سنوات طويلة دون ان بجد شيء في هذا الجو الرتيب . لتذهب وتفتح النوافذ . وباب المطبخ . كان الهواء البارد الذي أخذ يمسح وجهها ينعش فيها النفس . واطلت من السياج نحو بيت الجيران . واخذت تبتسم ثم نادت:
ـ ام محمد . ام محمد
اطلت عائدة من الحديقة وهي ترتدي ملابس النوم الفضفاضة . كانت تبتسم وهي تلملم اطراف الفتحة العريضة عند صدرها وقالت:
صباح الخير عيني . فكرت في زيارتك قبل قليل . تفضلي .
عائدة . . لكم تشغل بالهـا . هذه الفتاة الرقيقة العـــود . التي عاشت صباها في خيم من الشعر على طرف من المدينة . كانت تجلب الحليب للعوائل الساكنة في بيوت المدينة . تلك السمة الجميلة على وجهها . وعيناها الواسعتان هما ما تميزانها عن بقية فتيات خيم الشعر . لقد رأها فاتح واعجب بها ، وكانت أمهـا تشجعها في هذه الصفقة . وهكذا كان جمالها سببا لانتشالها من ذلك الجو البائس وانتقالها الى حياة المدينة . كان فاتح التاجر يغادر البيت هو الآخر . ولا يعود الا مع الليل . وهو يلبي لها كل طلب . ولكن هذه الرتابة في وحدتها تركت اثرها في نفسها . فسرعان مااخذت تفتش عن شيء تغير به الجو . فانطلقت بالموضة الجديدة وأسرفت في التمتع بها.
جاءت عائدة الى بيت جارتها نادية . واخذتا تتجاذبان اطراف الحديث لقتل الوقت ، ولكنه كان يخفي في طياته شيئا أكثر غموضا . وغرقت العيون في الصمت . ولكن العمق الذي ران فيها يبدو وكأنه على وشك الانفجار . كانت عائدة تناجي نفسها . ان الزمن درب طويل رتيب الحاشية لانهاية له . وان لابد من المصيبة.
وعندما رصفت اطباق الطعام . كان صوت المغني يصدح بالمذياع ، وكانت عائدة منصتة تفكر وقد تبدلت أسارير وجهها وبدأت حزينة جدا . كانت نادية تراقبها في غدوها ورواحها . ثم ابتسمت وقالت.
ـــ لم تفكرين . الا بحت لي بما في صدرك .
_ …..
انت لست طبيعية أبدا . وان همومك لاتنتهي . هل هو السبب زوجك ؟
كلا . أنه هو الآخر يلمح لي بهذا التبدل . وهو لا يعبأ بي هذه الايام كثيرا . انه يجلب معه اللحم كل ليلة . ثم يصعد الى الطابق الأعلى وينام ، وينقدني بعض الدراهم صباح كل يوم . قبل ان يخرج .
وبدا على وجهها فرح ممزوج بانفعال . نهضت على اثره واتجهت نحو المطبخ . وجلست بالقرب من نادية التي قالت عندئذ هل هي قصة حب ؟ بصراحة ، من تحبين ؟ افكارك المغلوقة بشغل شاغل . وحزنك الدائم . كانت نادية تجد التسلية الكبرى في هذه المسعى ، ومن أجل هذا . كانت تنفق كل ما في جعبتها من ذكاء . كانت تستمليها الى الانطلاق في الحديث . وفوجئت وهي تسمعها تقول .
لا استطيع ياعزيزتي أن أقول شيئا ، لن أبوح بشيء . ـ ولماذا . بل انت بحاجة الى ان تخففي من نفسك هذه الالام .
ـ ان ما في صدري لا يمكن ان يقال لأحد . ان الانسان يبوح بسره دائما الى الصديق . انا صديقتك الامينة .
الا تشاهدين الافلام السينمائية وكيف تتكشف الاسرار فيها .
وفي هذه الاثناء . انطلق صوت محمد الصغير ببكاء . فاخذت عائدة تلاطفه ثم تركته على الكاشي البارد . وعندما عادت لتأخذ مكانها . كانت قد ركزت نظراتها في عيني نادية . ولكنها كانت تبدو خجلة حين كانت تصغي .
ثم انك ترين كل هذا في التلفزيون . ونحن لدينا مثل يقول ( النساء في القديم كن يبحن باسرارهن الى الصديقات . والا فكن يذهبن ليحن بهـا الى البئر ) فلربما أجد لك مخرجا مما يلفك من حزن عميق . سكتت قليلا وقد احمر وجهها ثم ضحكت ولم تفه بشيء . .
والشخص الذي تحبينه هل هو يحيا ؟
لا يا عيني
ـ ابو السينمـا ؟
ـ لا ياابوي .
ـ ابن خال ابو محمد ؟
ـ لقد تزوج . ثم انني نسيتهم .
ـ عرفت .
عندئذ اتسعت عيناها وابتسمت وهي تنظر دون مبالاة .
انه الصيدلي .
ـ نعم .
. حدثيني . كيف بدأ الغرام . قبل اكثر من سنة خرجت من البيت لامر ما . كنت حاملا منذ ثلاثة اشهر ومشيت مسافة طويلة لان سيارات المصلحة لم تكن قد وصلت الى المنطقة بعد . واعتراني تعب شديد . ثم اخذ محمد يصرخ ببكاء . . . مامـا . . احمليني…… يتبع