حملت الفانوس عالياً بيدها اليسرى ونزلت درجات السلم المظلم وهي تنصت إلى همهمة أمها الغامضة . كان ضوؤه ضعيفاً ورائحة النفط تنبعث قوية منه . ملأته قبل دقائق ، حين عزمت أمها على الانصراف أخيراً . لم تعد هناك فائدة من الالحاح عليها . إنها لا تستطيع فراق حمودي ليلة واحدة . سمعتها : عيني نجوبه شويه على كيفج . يا الله . شويه على كيفج عيوني إنت كان صوتها رقيقاً حنوناً لا يلائم ضخامة جسمها وثقل حركاتها . لم تجبها وتوقفت قليلًا وهي تقرب الفانوس من موطىء قدم الأم . كانت أنفاسها ثقيلـة مسموعة وهي تسحبها بمشقة من صدرها العريض . قالت لها :
لو باقية عندي هاليلة يا يوم . شيصير . دشوفيني آخر بها الحال أجابتها أمها وهي تضع يداً فوق كتفها ـ شواكع بيدي ياعيني يا نجوبه . اللهم يا أرحم الراحمين . هذا أخوج واقع فد نوبه وينراد له مداراه ليل نهار . وإلا أني أجوز منچ يا عيني . يا الله يا محمد لا جدوى من الاصرار . لن تبقى بعيدة عن ذلك الطفل الكبير حمودي ، وعليها هي أن تبيت وحيدة في غرفتها ليلة أخرى . قالت لأمها : ديري بالج يوم . هاي الدرجه شويه عاليه . هو شلون بيت مصخم . تاليها حظي خلاني اكعد نزل بكبه أجابتها الأم بين أنفاسها المتقطعة : میخالف عيني نجوبــه . چم يوم و تنگضي . ميخالف . . ميخالف . يا ربي عليك سارتا تخترقان باحة الدار المظلمة متجهتين نحو الباب الخارجي . كان قبقابها يطرق الأرض الحجرية الصلدة طرقات شديدة ونعال أمها تمسحها من بعدها . سألتها أمها : أشو ماكو أحد جوه عيني نجوبه ؟ فقالت متذمرة : هاي الغرفة فارغة ، وأهل هالحجـره مسافرين ، وهذوله ينامون من – وکت . . ورا وذان العشا ثم وجدت نفسها تقول رغماً عنها : شكو لو باقية هاليله بس . ما أدري شيصير بي أني وهذوله الأطفال فأجابها الصوت الحنون :
_ لاتحچين هيچ حچي خاطر الله . شكو عليكم . منويگول ما يرجع بعد شویه ؟ رجال كل شي يصير له . ليلة وحده ما رجع للبيت ، قابل كل ليله . اتوكلي على الله عيني . وهاذي فضيله يمج نفس ، أحسن من الماكو ـ ليش هي وينها هالفضيلة الخير ! – ترجع عيني . غير عند أهلها ؟ وين تروح قابل ؟ ساعه ساعتين وتصير یمچ . فتحت الباب الخشبي الكبير دون كلام وأنارت لها الطريق . رأتها تسرع في حركاتها كأنها تحاول التخلص منها باقرب وقت . مرت بجوارها . مسلم عليچ عيوني نجوبه . دخشي اخاف بـاردة عليج . أني اشوف در بي ، لايظل بالچ عيني . مع السلامة يوم . سلمي لي على حمودي ، عنده العافيه . شفيايتلي لو چنت يمكم . كانت أمها قد ابتعدت بانفاسها الثقيلة ، ولم يستطيع نور الفانوس الاحمر ان يفرق ظلمة الدرب عن عبائتها السوداء . بقيت تستمع الى وقع أقدامها الخفيف وهي ذاهلة . لم تملك الجرأة الكافية لتخبرها ، ولعلها لو فعلت لبقيت امها معهـا ولدفعت عنها شر الوحدة . كان الدرب ضيقاً لاتنعكس على جدرانه اية ظلال . لم بعد بوسعها سماع حركات امها فاستدارت ودخلت كان الجو بارداً والهواء يلسع انفها واذنيها .. سارت متجهة نحو السلم وهي لاتحاول تهدئة ضربات قبقابها على الارض فخيل اليها انها ترى شخصاً يقف وراء المحجر . رفعت الفانوس وهتفت : ـ منو هـاي ؟ ثم ميزت ابنتها الصغير…..